للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شمعون، وهو بمعناه، فشبَّ ذلك الغلام، ونشأ فيهم، أنبته الله نباتًا حسنًا، فلما بلغ سن الأنبياء أوحى الله إليه، وأمره بالدعوة إليه وتوحيده، فدعا بني إسرائيل، فطلبوا منه أن يقيم لهم ملكًا يقاتلون معه أعداءهم، وكان الملك أيضًا قد باد فيهم، فقال لهم النبي: فهل عسيتم إن أقام الله لكم ملكًا ألا تقاتلوا وتفوا بما التزمتم من القتال معه، ﴿قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا﴾ أي: وقد أخذت منا البلاد وسبيت الأولاد، قال الله تعالى: ﴿فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾ أي: ما وفوا بما وعدوا بل نكل عن الجهاد أكثرهم، والله عليم بهم (١).

﴿وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (٢٤٧)﴾.

أي: لما طلبوا من نبيهم أن يعين لهم ملكًا منهم، فعين لهم طالوت، وكان رجلًا من أجنادهم، ولم يكن من بيت الملك فيهم، لأن الملك كان في سبط يهوذا، ولم يكن هذا من ذلك السبط، فلهذا قالوا: ﴿أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا﴾ أي: كيف يكون ملكًا علينا ﴿وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ﴾؟ أي: هو مع هذا فقير لا مال له يقوم بالملك، وقد ذكر بعضهم أنه كان سقاء، وقيل: دباغًا، وهذا اعتراض منهم على نبيهم وتعنت، وكان الأولى بهم طاعة وقول معروف، ثم قد أجابهم النبي قائلًا: ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ﴾ أي: اختاره لكم من بينكم، والله أعلم به منكم، يقول: لست أنا الذي عينته من تلقاء نفسي، بل الله أمرني به لما طلبتم مني ذلك، ﴿وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ﴾ أي: وهو مع هذا، أعلم منكم، وأنبل، وأشكل منكم، وأشد قوة وصبرًا في الحرب ومعرفة بها، أي: أتمّ علمًا وقامة منكم، ومن ههنا ينبغي أن يكون الملك ذا علم وشكل حسن وقوة شديدة في بدنه ونفسه ثم قال: ﴿وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ﴾ أي: هو الحاكم الذي ما شاء فعل، ولا يُسأل عما يفعل] (٢) وهم يسألون لعلمه وحكمته ورأفته بخلقه، ولهذا قال: ﴿وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ أي: هو واسع الفضل، يختص برحمته من يشاء، عليم بمن يستحق الملك ممن لا يستحقه.

﴿وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٤٨)﴾.

يقول لهم نبيهم: إن علامة بركة ملك طالوت عليكم، أن يرد الله عليكم التابوت الذي كان أخذ منكم ﴿فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ قيل: معناه: فيه وقار وجلالة.


(١) هذه الرواية من الإسرائيليات التي تنقل عن وهب بن منبه وهو مشهور برواية الإسرائيليات.
(٢) ما بين معقوفين سقط من الأصل وهو قدر لوحة واستدرك من (عف) و (حم) و (مح) و (ح) وفي (عف) نصف لوحة فيها بياض.