للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال أبو بكر بن مردويه: أخبرنا سليمان بن أحمد، أخبرنا عبد الله بن وهب الغزي، أخبرنا محمد بن أبي السري العسقلاني، أخبرنا محمد بن عبد الله التميمي، عن القاسم بن محمد الثقفي، عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي ذرّ الغفاري، أنه سأل النبي عن الكرسي، فقال رسول الله : "والذي نفسي بيده ما السموات السبع والأرضون السبع عند الكرسي، إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وإن فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على تلك الحلقة" (١).

وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده: حدثنا زهير، حدثنا ابن أبي بُكير، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن خليفة، عن عمر ، قال: أتت امرأة إلى رسول الله فقالت: ادع الله أن يدخلني الجنة، قال: فعظم الرب ، وقال: "إن كرسيه وسع السموات والأرض وإن له أطيطًا كأطيط الرحل الجديد من ثقله" (٢) وقد رواه الحافظ البزار في مسنده المشهور وعبد بن حميد وابن جرير في تفسيريهما، والطبراني وابن أبي عاصم في كتابيّ السنة لهما، والحافظ الضياء في كتابه المختار من حديث أبي إسحاق السبيعي، عن عبد الله بن خليفة، وليس بذاك المشهور، وفي سماعه من عمر نظر. ثم منهم من يرويه عنه عن عمر موقوفًا، ومنهم من يرويه عنه مرسلًا، ومنهم من يزيد في متنه زيادة غريبة، ومنهم من يحذفها. وأغرب من هذا حديث جبير بن مطعم في صفة العرش كما رواه أبو داود في كتابه السنة من سننه، والله أعلم.

وقد روى ابن مردويه وغيره أحاديث عن بريدة وجابر وغيرهما في وضع الكرسي يوم القيامة لفصل القضاء، والظاهر أن ذلك غير المذكور في هذه الآية، وقد زعم بعض المتكلمين على علم الهيئة من الإسلاميين، إن الكرسي عندهم هو الفلك الثامن، وهو فلك الثوابت الذي فوقه الفلك التاسع، وهو الفلك الأثير ويقال له: الأطلس، وقد رد ذلك عليهم آخرون وروى ابن جرير من طريق جويبر، عن الحسن البصري أنه كان يقول: الكرسي هو العرش (٣)، والصحيح أن الكرسي غير العرش، والعرش أكبر منه، كما دلّت على ذلك الآثار والأخبار، وقد اعتمد ابن جرير على حديث عبد الله بن خليفة، عن عمر في ذلك، وعندي في صحته نظر، والله أعلم.

وقوله: ﴿وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا﴾ أي: لا يثقله ولا يكرثه حفظ السموات والأرض، ومن فيهما، ومن بينهما، بل ذلك سهل عليه، يسير لديه، وهو القائم على كل نفس بما كسبت، الرقيب على جميع الأشياء، فلا يعزب عنه شيء ولا يغيب عنه شيء، والأشياء كلها حقيرة بين يديه متواضعة صغيرة بالنسبة إليه، محتاجة فقيرة وهو الغني الفعال لما يريد، الذي لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، وهو القاهر لكل شيء، الحسيب على كل شيء، الرقيب العلي العظيم، لا إله غيره، ولا ربَّ سواه،


(١) في سنده القاسم بن محمد الثقفي وهو مجهول، ومحمد بن أبي السري: وهو صدوق له أوهام كثيرة (التقريب ص ٥٠٤).
(٢) أخرجه الضياء عن طريق أبي يعلى به (ح ١٥١)، وأخرجه ابن أبي عاصم (السنة ١/ ٢٥٢)، وأبو الشيخ (العظمة ح ١٩٣)، والبزار (كشف الأستار ح ٣٩، كلهم من طريق إسرائيل به. وقد حكم عليه الحافظ ابن كثير بالانقطاع بين عبد الله بن خليفة وعمر.
(٣) في سنده جويبر: وهو ابن سعيد الأزدي: متروك كما في التقريب.