للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مستقيم، وهذا أنسب، ويشهد له قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٢) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} (١).

فالوجه الثاني في إعراب {عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤)} أنها خبر ثان لـ (إن)، وقوله: {عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤)} قال المؤلف: [أي طريق الأنبياء قبلك التوحيد والهدي، والتأكيد بالقسم وغيره رد لقول الكفار له: لست مرسلًا]، كما قال الله تعالى: {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا} (٢) إذن فالكلام مطابق لمقتضي الحال؛ لأنه يخاطب المنكر، وقد سبق لنا في البلاغة أن للمخاطب ثلاث مراحل: أن يكون منكرًا، أو أن يكون مترددًا، أو أن لا يكون في ذهنه شيء لا إنكار ولا تردد، قالوا: فإن كان منكرًا وجب تأكيد الخبر له، وإن كان مترددًا حسن أن يؤكد له الخبر، وإن لم يكن في قلبه وذهنه شيء، فإنك تلقي إليه الخبر غير مؤكد هذا هو الأصل. فتخاطب إنسانًا ليس في ذهنه شيء عن مدلول الخبر فألق الخبر إليه غير مؤكد، تقول: زيد قائم، وإذا كنت تخاطب مترددًا في صحة الخبر فأكده له استحسانًا، وإذا كنت تخاطب منكرًا فإنه يجب أن تؤكد له الخبر. هذا هو الأصل، وقد يحذف التوكيد في موضع التوكيد، وقد يأتي التوكيد في غير موضع التوكيد لأسباب تعوف من السياق. فهنا الكفار يقولون: لست مرسلًا. فكان تأكيد خبر الرسالة لهم واجبًا يعني مما توجبه البلاغة، والوجوب هنا ليس وجوب التكليف الذي يأثم بتركه، بل


(١) سورة الشوري، الآيتان: ٥٢، ٥٣.
(٢) سورة الرعد، الآية: ٤٣.

<<  <   >  >>