للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (٧٨)} {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا} يعني هذا الإنسان الذي كان خصيمًا مبينًا ضرب مثلًا لله عز وجل، يريد التعجيز والإنكار، وتقرير نفيه، وهذا المثل يبينه بقوله: {قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (٧٨)} ولهذا جاءت الجملة مفصولة عما سبق؛ لأنها وقعت بيانًا لمبهم في قوله: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا}.

{وَنَسِيَ خَلْقَهُ} يعني ابتداءخلقه، أنه خلق من ماء مهين، فكان هذا الإنسان الخصيم المبين، والجملة في قوله: {وَنَسِيَ خَلْقَهُ} جملة يحتمل أن تكون جملة خبرية، ويحتمل أن تكون جملة حالية، أي: وقد نسي خلقه، يعني أنه في ضرب المثل قد نسي أصله، وهو أنه من مني ثم كان إنسانًا سويًّا خصيمًا مبينًا.

المثل بيّنه بقوله: {قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (٧٨)} يقول المؤلف رحمه الله: [ونسي خلقه من المني وهو أغرب من مثله]. لأن مثله الذي ضربه إعادة شيء كائن، وخلقه من المني ابتداء خلق، وأيهما أشد امتناعًا لو كان فيه امتناع على الله تعالى؟ الابتداء، ولهذا قال الله عز وجل: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} (١) فإذا كان كذلك فإن الإنسان الخصيم المبين يكون ضالًّا من وجهين:

الوجه الأول: استغرابه قدرة الله عز وجل على الإعادة.

الوجه الثاني: نسيانه أول الخلق، حيث نسي أنه خلق من


(١) سورة الروم، الآية: ٢٧.

<<  <   >  >>