للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أكثر الناس في غفلة عن هذا، ومع الأسف أن هذا الداء دب إلى المسلمين، فصار أكثر المسلمين اليوم لا ينشدون إلَّا هذا النعيم أعني نعيم الدنيا، وفي غفلة عن نعيم الآخرة، ولهذا تجدهم يتحدثون دائمًا عن الترف واللهو وما أشبه ذلك، كأنهم ما خلقوا إلَّا لهذا، وهذا من أكبر ما يصد الإنسان عن دينه أن يكون قلبه معلقًا بالدنيا، ولا ينظر إلَّا إلى التنعم بها، ونحن لا ننكر أن ينال الإنسان من الدنيا ما يستفيد منه في الآخرة، بل إن الدنيا إذا جعلت وسيلة للآخرة صارت من الآخرة في الحقيقة، لكن ننكر أن تكون الدنيا أكبر هم الإنسان، كأنما خلق لها فقط، وهذا من نقص دينه، ونقص عقله، فكيف تجعل نفسك وحياتك الثمينة كيف تجعلها مهمة غاية الاهتمام بأمر ليس بمضمون، وليس بمخلد؟ ! قال الله تعالى منكرًا على قوم هود على لسان هود عليه الصلاة والسلام: {وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (١٢٩)} (١) فأنت لست بخالد، فكيف تجعل هذا الممر الذي أنت تعيش فيه تجعله أكبر همك، مع أنك لا تدري متى تفارقه؟ ! كل من هؤلاء المترفين لا يدري متى يموت، لكنه يدري أنَّه سوف يبقى في الآخرة - إن كان مؤمنًا بها - ومع هذا يعمل للدنيا التي لم يخلق لها، ويدع الآخرة التي خلق لها.

* * *

ثم قال عَزَّ وَجَلَّ: {سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ} {كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ} قال المؤلف - رحمه الله -: [الأصناف {كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ} من الحبوب


(١) سورة الشعراء، الآية: ١٢٩.

<<  <   >  >>