للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الصلاة والسلام وهو على سرير مخيط من الليف فإذا هو قد أثر في جنبه، فبكى وقال له عليه الصلاة والسلام: "ما يبكيك؟ " قال: يا رسول الله، فارس والروم ينعمون بما نعموا من الدنيا وأنت على هذه الحال؟ فقال: "يا عمر، إن هؤلاء قوم عجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا" (١) فهؤلاء يعاقبون بهذه النعمة التي تدر عليهم، لأنه استدراج، ولأنهم إذا ماتوا وصاروا في العذاب صار هذا أشد عليهم، لأنهم فارقوا دنيا تعلقت بها قلوبهم، ونعموا به ثم أعقبها هذا العذاب - والعياذ بالله - فصاروا أشد حسرة. ويذكر عن ابن حجر العسقلاني - رحمه الله - وهو قاضي القضاة في مصر أنَّه مر ذات يوم بيهودي زيات يبيع الزيت، قد تعب من الزيت، وثيابه وسخة، وقاضي القضاة بمصر يمشي على عربة تجره الخيول، والناس حوله يمينًا وشمالًا، فأوقف اليهودي الموكب وقال: يا قاضي القضاة كيف تكون أنت في هذا الحال وأنا في هذا الحال ورسولكم يقول: "الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر" (٢) فقال له ابن حجر - رحمه الله -: ما أنا فيه من النعيم في الدنيا هو سجن بالنسبة لنعيم المؤمن في الآخرة، وما أنت فيه من التعب والبلاء هو بالنسبة لعذاب الآخرة جنة، فأنت الآن في جنة؛ لأنك سوف تنتقل إلى عذاب لا تتصوره. فلما قال ذلك قال اليهودي: (أشهد أن لا إله إلَّا الله، وأن محمدًا رسول الله) فأسلم، فهؤلاء المنعمون نعيمهم في الحقيقة شقاء وعذاب، وإن نعمت أجسادهم، لكن


(١) أخرجه البخاري، كتاب المظالم، باب الغرفة ... (٢٤٦٨).
(٢) أخرجه مسلم، كتاب الزهد، باب الدنيا سجن للمؤمن وجنة الكافر (٢٩٥٦).

<<  <   >  >>