للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يتمنونه، بل يعطون أكثر مما يتمنون، وفيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.

٦ - ومن فوائد الآية الكريمة: أن هذا القرآن الكريم مثاني، تثنى فيه المعاني، فيذكر الشيء ويذكر ضده، لأنه لو ذكر ما يكون به الرجاء دون ما يكون فيه الخوف، لغلب جانب الرجاء على جانب الخوف ووقع الإنسان في الأمن من مكر الله، ولو ذكر فيه جانب الخوف دون جانب الرجاء، لوقع الإنسان في القنوط من رحمة الله، فكان الله عز وجل إذا ذكر النعيم ذكر ضده، وإذا ذكر أصحاب الجنة ذكر أصحاب النار، وهكذا، وهذا أحد معاني قوله تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ} (١) يعني أنه تثنى فيه المعاني حتى يكون اليسر لله تعالى على الوجه المطلوب.

* * *

ثم قال الله تعالى: {لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ (٥٧)} أي لأصحاب الجنة {فِيهَا} أي: الجنة {فَاكِهَةٌ} أي: ما يتفكهون به، وكل أكل أهل الجنة فاكهة، لأنهم يأكلونه على سبيل التفكه لا على سبيل الحاجة والضرورة، ففي الدنيا قد نأكل أحيانًا تفكهًا، وأحيانًا للحاجة، وأحيانًا للضرورة، أما في الجنة فكل ما نأكله للتفكه؛ لأنه ليس هناك ضرورة أو حاجة، ولهذا يأكل الإنسان الأكل ويخرج هذا الأكل رشحًا مثل العرق، أطيب من ريح المسك، وليس فيها بول أو غائط.

فإذا قال قائل: إذا جعلت الفاكهة اسمًا لكل ما يأكلون؛


(١) سورة الزمر، الآية: ٢٣.

<<  <   >  >>