للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هنا إلى نفسه تلطفًا.

وقوله {وَمَا لِيَ} الاستفهام هنا بمعنى الإنكار، يعني أي شيء يمنعني أن أعبد الله وحده، ولهذا قال: {لَا أَعْبُدُ} أي لا أتذلل للذي {فَطَرَنِي} قال المؤلف: [أي خلقني أي لا مانِع لي من عبادته الموجود مقتضيها، وأنتم كذلك] قوله: {لَا أَعْبُدُ} تقدم لنا أن العبادة هي التذلل لله عَزَّ وَجَلَّ بفعل أوامره، واجتناب نواهيه، محبة وتعظيمًا، وأن العبادة تطلق على التعبد الذي ذكرناه، وعلى المتعبد به وهي الأفعال التي يتعبد بها الإنسان، أو الأقوال، وعلى هذا حدها شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - بأنها هي: (اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال، والأعمال الظاهرة، والباطنة). وقوله: {وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي} ولم يقل: لأعبد الله ليقرن بين الحكم والدليل؛ لأن قوله: "أعبد الذي فطرني" مقتضى لكونه هو المعبود. إذ إنه هو الخالق، فلزم أن يكون هو المعبود وهذا كقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} (١) فقوله: {الَّذِي خَلَقَكُمْ} كتعليل للأمر بعبادته وحده، كما أنَّه الخالق وحده، فيجب أن يكون المعبود وحده، ولهذا قال المؤلف [الموجود مقتضيها] وما مقتضيها أنَّه هو الذي فطر الخلق، وابتدأ خلقهم، فلزم أن يكون هو المستحق للعبادة وأن يعبد، وقوله: {الَّذِي فَطَرَنِي} أي خلقني لأول مرة، والفطر والإبداع بمعنى الإيجاد لأول مرة، قال الله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ


(١) سورة البقرة، الآية: ٢١.

<<  <   >  >>