للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مِثْلُنَا}، {وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ} أنكروا الرسالة من حيث جنس الرسول، وأنه بشر، وأنكروا الرسالة إنكار جحود بلا مبرر {وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ} من الذي يمنع فلم يذكروا حجة قوله: {وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ} هذه الجملة نفي و {مِنْ شَيْءٍ} نكرة في سياق النفي فتعم، ثم هذه النكرة مؤكدة بـ (من) الزائدة، لأن قوله: {مِنْ شَيْءٍ} بمعنى (شيئًا)، وقوله: {إِنْ أَنْتُمْ} قوله {إِنْ} بمعنى (ما) ففي الجملة حصر طريقة: النفي والإثبات {إِنْ أَنْتُمْ} يعني ما أنتم إلَّا تكذبون، وهذا الحصر - والعياذ بالله - حصر هم يرونه إضافيًّا، بمعنى ما أنتم إلَّا تكذبون فيما تدعون من الرسالة، ولا يلزم أنهم يدعون أنهم يكذبون في كل شيء؛ لكن فيما ذكروا من الرسالة، فصار إنكارهم مبنيًّا على أمرين:

الأول: أنهم بشر، يعني كأنهم يقولون: لو كنتم رسلًا لكنتم ملائكة.

الثاني: النفي الذي لم يبن على شيء، وإنَّما هو مجرد إنكار ومكابرة {وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ (١٥)}.

وهذا لا شك من سفههم، لأن إنزال الوحي على الرسل لهداية الخلق أمر يوجبه العقل فضلًا عن الشرع، لأن العباد لا يمكن أن يتعبدوا لله سبحانه وتعالى إلَّا بشيء شرعه ونصبه لهم دليل عليه وإلَّا فكيف يتعبدون؟ ! فإنزال الله عَزَّ وَجَلَّ الوحي للبشر أمر يقتضي العقل وجوبه، مع أن الله قد أوجبه على نفسه، كما قال تعالى: {إِنَّ عَلَيْنَا لَلهُدَى (١٢)} (١) فالله أوجب على نفسه أن يبلغ


(١) سورة الليل، الآية: ١٢.

<<  <   >  >>