للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وغيرها {وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ} من الذكور والإناث {وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ (٣٦)} من المخلوقات العجيبة الغريبة، {سُبْحَانَ} تأتي دائمًا منصوبة على أنَّها مفعول مطلق حذف منها العامل وجوبًا، وأصلها تسبيحًا لله، وتسبيحًا مصدر سبح، فالعامل محذوف وهو (سبح)، والمصدر محول إلى اسم مصدر، وهو التسبيح حول إلى سبحان وهو مأخوذ من سبح، أي: أبعد في الماء، فمعنى التسبيح في سبحان الله تنزيه الله تعالى عما لا يليق به، والذي لا يليق بالله عَزَّ وَجَلَّ أمران:

أحدهما: النقص في صفاته.

الثاني: مماثلة المخلوقين فيها، على أنَّه يمكن أن نرد الثاني إلى الأول، ونقول: إن مماثلة المخلوقين نقص؛ لأن مماثلة الكامل بالناقص يجعله ناقصًا، قوله: {خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ (٣٦)} هذه الآية كقوله: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٤٩)} (١) فكل المخلوقات لا تقوم إلَّا بتركيب مادتين فأكثر، وليس فيها شيء يقوم من شيء واحد أبدًا، فكل شيء سواء مما تنبت الأرض، أو من بني آدم، أو من البهائم، أو مما لا نعلم، وهذه عامة من أعم ما يكون فإنه مكون من شيئين {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ} تنزيه الله عَزَّ وَجَلَّ عما لا يليق به، ولهذا جاءت الآية هنا {سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا} فالمخلوق لابد فيه من تعدد، والخالق منزه عن التعدد، وهذه هي الحكمة - والله أعلم - في أنَّه قال: {سُبْحَانَ


(١) سورة الذاريات، الآية: ٤٩.

<<  <   >  >>