للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما الجدال الممدوح فهو الذي يقصد به إثبات الحق، وإبطال الباطل، وهذا مأمور به، وهو كالجهاد في سبيل الله، فكما أن المجاهد مأمور بأن يحمل السلاح ضد عدوه ويقاتله، فطالب العلم مأمور بأن يحمل سلاح العلم، وهو المجادلة بالحق ليدحض به الباطل.

والقسم الثاني: بالعكس وهذا مذموم منهي عنه قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} (١).

والقسم الثالث: بين بين، يعني لا يأمر به، ولا ينهى عنه، لكن لا شك أن تركه أولى، وهو الجدال في أمور لا تمس إلى الحق أو الباطل بصلة، كما يحصل في كثير من المجالس من المجادلات، فهذا لا شك أنه لا خير فيه، وأنه من المراء الذي ينبغي للإنسان تجنبه.

ثم إن أفضى إلى مفسدة كان منهيًّا عنه، وذلك إذا كان مع الجدال والمراء والمحاورة عداوة بين المتجادلين، أو تعصب لأحدهما من الحاضرين، ويحصل في ذلك تحزُّب.

وإن أفضى إلى مصلحة كان مأمورًا به، مثل: أن يكون المجادل مغرورًا بنفسه، ويرى أنه لا يغلبه أحد، فتجادله من أجل أن تكسر حدة هذا الغرور، وإن كان لا يترتب على هذا فائدة في حد ذاته، لكن فيه فائدة لغيره وهي كسر غرور هذا الشخص، حتى لا يبقى زاهيًا في نفسه، مترفعًا على غيره.


(١) سورة الشورى، الآية: ١٦.

<<  <   >  >>