للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقوله: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ} القائل هنا مبهم، لأن الفعل مبني للمجهول، ليشمل أي واحد يقول، سواء كان من قول الله عز وجل في كتابه، أو كان من قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - في سنته، أو كان من قول الدعاة بعد ذلك {لَهُمُ اتَّقُوا} أي: الكفار. {مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ} قال المؤلف: [من عذاب همّ الدنيا] ولكن الهم ليس هو العذاب فقط، فإن الله سبحانه وتعالى قد يعذب الكافر في الدنيا كما عذب الأمم السابقة، وكما عذب هذه الأمة أيضًا لكن عذاب هذه الأمة يكون بابتلاء بعضهم ببعض {ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ} (١) {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (١٦)} (٢) كانت هذه في غزوة بدر حين قتل صناديد قريش، فسماها الله سبحانه وتعالى البطشة الكبرى، أما الأمم السابقة فعقوباتهم معروفة، فهنا {اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ} من عذاب الدنيا العذاب المتنوع، سواء كان بأيدي المؤمنين، أو كان من فعل الله عز وجل، كالقحط والزلازل والغرق وغير ذلك {وَمَا خَلْفَكُمْ} من أمر الآخرة، وعذاب الآخرة أشق، وأشد، وأبقى.

قد يقول قائل: لو كان الأمر في التفسير بالعكس لكان أقرب إلى الصواب، {مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ} أي: من عذاب الآخرة؛ لأنه مستقبل {وَمَا خَلْفَكُمْ} أي: من عذاب الدنيا؛ لأن الدنيا هي التي يخلفها الإنسان وراءه.

ولكن يجاب عن هذا: بأن الذي بين أيديهم حقيقة هي


(١) سورة محمد، الآية: ٤.
(٢) سورة الدخان، الآية: ١٦.

<<  <   >  >>