للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الرجل قبل مكانه فقال: {وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَامُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ} (١) وهنا ذكر المكان قبل ذكر الرجل {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ} وذلك لأن هذا الرجل كان مؤمنًا فسهل عليه أن يأتي من المكان البعيد، فذكر مكانه لبعده ليستدل به على قوة محبة هذا الرجل للخير ودفع الشر. أما ذلك فالمقصود به العلم أن يأتي أحد بالعلم، فبدأ بالآتي وهو الرجل قبل ذكر مكانه.

وهنا قال الله عَزَّ وَجَلَّ: {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ} وفي أول الآية قال الله تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ} وهذا يدل على أن القرية تسمى مدينة، والمدينة أيضًا تسمى قرية، فمكة سماها الله تعالى قرية وهي أم القرى، {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ} (٢) فالقرية ليست هي البلد الصغير كما يظن كثير من الناس، بل القرية تكون مدينة، ولذلك لأن أصل القرية معناه مأخوذ من القِرى، وهو التجمع فإن الناس يجتمعون فيها، فإن كانت بلدة كبيرة سميت في عرف الناس مدينة، وإن كانت دون ذلك سميت في عرف الناس قرية. فالتفريق بين القرية والمدينة ما هو إلَّا اصطلاح عرفي فقط.

قوله: {يَسْعَى} أي يشتد يركض لئلا تفوته الفرصة حين سمع بتكذيبهم {قَالَ يَاقَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (٢٠)} {قَالَ} هذا جملة مفصولة عما قبلها، أي أنَّها أتت بدون حرف العطف كأنها


(١) سورة القصص، الآية: ٢٠.
(٢) سورة محمد، الآية: ١٣.

<<  <   >  >>