للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واعلمْ أنَّ اللهَ تعالى لن يَحكمَ حُكمًا شرعيًّا ولا حُكمًا قَدريًّا ولا حُكمًا جَزائيًّا إلَّا لسببٍ، هذه خُذْها قاعِدَةً لن يَحْكُمَ حُكمًا شرعيًّا كالإيجاب والتَّحريمِ والإباحَةِ، ولا قَدَريًّا كالخَلْقِ والتَّكوينِ، ولا جَزائيًّا إلا لسببٍ نعلمُ ذلك عِلْمَ اليَقينِ، ونَأخُذُه من أنَّ اللهَ تَعالَى حَكيمٌ، والحَكيمُ هو الَّذي يَضَعُ الأشياءَ مَواضعَها لا يُمكنُ أن يَكونَ فعلُ اللهِ فَلتةً ولا صُدفةً ولا لَغوًا ولا لَعِبًا، بل لا بُدَّ له من سَببٍ اقتَضاه، لكن هل كُلُّ سببٍ اقتَضى حُكمَ اللهِ يَكونُ مَعلومًا للخَلقِ؟

الجواب: لا، لأنَّ الخَلقَ أَعجزُ مِن أن يُدْرِكوا حِكمةَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وكم من أَحْكامٍ شَرعيَّةٍ وكَونيَّةٍ وجَزائيَّةٍ لا نَعلمُ حِكمتَها؛ لأنَّنا أَقْصرُ من أنْ نُحيطَ بحِكمةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.

الْفَائِدَةُ الْعَاشِرَةُ: إِثباتُ أنَّ العَمَلَ كَسْبٌ للإنسانِ؛ لقَولِهِ: {بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}.

ويَتَفَرَّعُ على هَذِهِ الفائِدَةِ: أنَّه إذا كان العَمَلُ كَسْبًا للإنسانِ، فإنَّه يَجِبُ عليه بمُقْتَضى العَقْلِ كَما هو مُقْتَضى الشَّرعِ أنْ يَسعَى إلى الكَسْبِ المُفيدِ لا إلى الكَسْبِ الضَّارِّ، كما كان يَفعلُ في الدُّنيا، أليس الواحِدُ منَّا في الدُّنيا يَسعَى إلى الكَسْبِ النَّافعِ، بَلَى، إذن يَجِبُ أن تَسعَى إلى الكَسْبِ النَّافعِ في الآخِرَةِ، ولهذا ضَلَّ مَنْ ضَلَّ في عَقلِه ودينِه مَن احتَجَّ بالقَدَر على مَعاصي اللهِ، ولم يَحتَجَّ بالقَدَر على أُمورِ الدُّنيا، ففي أُمور الدُّنيا يَعمَلُ وَيكْدَحُ ويَسعَى لِما فيه المَنْفَعَةُ والمَصلحَةُ، لكن في أُمورِ الآخِرَةِ يَتكاسلُ، ثُمَّ يَقولُ هذا القَدَرُ، فنَقولُ: قد ضَلَلت، كيف تَحتَجُّ بالقَدَر على كَسْبِ الآخِرَةِ ولا تَحتَجَّ به عَلَى كَسْبِ الدُّنيا.

* * *

<<  <   >  >>