فإِنْ قال قائلٌ: هَلِ العَذابُ الواقعُ على الأعضاءِ تَأثيرُه في نَفْسِ الأعضاءِ؟
فالجَوابُ: لا، الواقِعُ أنَّ العذابَ على أَهْلِ النَّارِ واقعٌ على كُلِّ البَدَنِ، ولهذا قال اللهُ تعالى:{كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ}[النساء: ٥٦] لكن هم يتَعَجَّبون، ويُوَبِّخون السَّمعَ والأبصارَ والجُلودَ، لِمَ شَهِدْتُم علينا ونحن نُجادِلُ عنكم.
ثُمَّ قال اللهُ تعالى:{وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ} .. إلى آخرِهِ، هذا هو معنى قولِ المفَسِّر:[كالَّذي بعده]، وهذا لا شكَّ أنَّه من كَلامِ الله ولَيْسَ من كَلامِ الجُلودِ، وقولُ المفسِّرِ رَحِمَهُ اللهُ:[ومَوقعُه قَريبٌ مِمَّا قَبْلَه] يعني: مَوقعُ هذا الكَلامِ {وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} قَريبٌ مِما قَبلَهُ، يعني: يُبَيِّنُ مُناسَبَةَ هذه الجُملَةِ لِما قَبلَها، وهو أنَّ القادِرَ على إِنشائِكُم ابتداءً وإِعادَتِكم بَعدَ المَوتِ أحياءً قادرٌ على إِنْطاقِ جُلودِكم وأَعْضائِكم.
يَقولُ المفسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: [{وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ} عنِ ارتِكابِكم الفَواحِشَ من {أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ}]، يعني: ما كُنتُم تَستَخفونَ في مَعاصيكُم وكُفْرِكم، وغَيرُ ذلك مِمَّا يَستَترونَ به خوفًا من:{أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ}، يعني: أنَّ الكُفَّارَ يَستتِرونَ أحيانًا بِالمَعاصي لكن لا يَستَتِرونَ خوفًا مِن أن تَشهَدَ عليهم سَمْعُهم وأبصارُهُم وجُلودُهُم، لأنَّ هذه الأشياءَ لا استِتارَ عنها إطلاقًا إذ إنَّها هي الإنسانُ، ولا يُمكِنُ الاستِتارُ عنها، وأيضًا هُم لا يُؤمنونَ بأنَّها سوف تَشهَدُ عليهم يومًا من الأيَّامِ، فصاروا لا يَستَتِرونَ عن هذه الأشياءِ لوَجهينِ:
الأوَّلُ: أنه لا انفكاكَ عنها، وَجهُه أنَّها هي مُكوِّناتُهم.
الوَجهُ الثَّاني: أنَّه ما كان يَطرأُ على بالهِم يومًا مِن الأيَّام أنَّ هذه سوف تَشهدُ عليهم؛ لأنَّهم يُنكِرونَ البعثَ، وإَنكارُ البَعثْ يَستلزِمُ ألَّا يُؤمنوا بأنَّها تَشهَدُ عليهم.