للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومُهفهَف الأعطافِ قلت له انتسب ... فأجابَ ما قَتْلُ المُحِبِّ حرامٌ

قوله: "انتسب" يعني: مِنْ أين أنت؟ ؛ فأخبَرَه بنَسَبِه أنَّه تَميميٌّ إذ لو كان غَيرَ تمَيميٍّ لقال: (ما قَتْلُ المُحِبِّ حَرامًا).

والاستِعتابُ طَلَبُ العُتْبَى، والعُتْبَى مَعناها قَبولُ العُذْرِ والرِّضا، فالمفسِّر فَسَّرها في النِّهايَةِ بالغايَةِ الَّتي هي الرِّضا؛ لأنَّ الإنسانَ إذا استُعْتِبَ وقُبِلَ عُذْرُه رَضِيَ عنه المُستَعتِبُ.

وهُنا وَعيدٌ شَديدٌ، إن يَصْبِروا فَالنَّارُ مَثوًى لهم، لم يَقُلْ إن يَصْبِروا فلْيَنْتَظِروا الفَرَجَ، بل قال: {فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ}، أي: لَيْسَ لهم إلَّا النَّارُ، وهذا كقولِه تعالى: {اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ} [الطور: ١٦] فَالعَذابُ سِوَى عَذابِ الآخِرَةِ يُنتَظَرُ الفَرَجُ له؛ لأنَّ دوامَ الحالِ مِنَ المُحالِ، فإذا صَبَرَ الإنسانُ على البَلاءِ فَالنِّهايَةُ الزَّوالُ، لكن في الآخِرَةِ إن يَصبِروا فلن يَسلَموا مِنَ العذابِ {فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ}، وهي مَثوًى لهم قَبْلَ الصَّبرِ وبعد الصَّبرِ، لكنَّ هذا من بابِ التَّيئيسِ لهم، وأنَّ صَبرَهم لا يُفيدُهم شيئًا.

ومُناسَبَةُ جَوابِ الشَّرطِ لفعل الشَّرطِ هنا تَيئيسُ هؤلاءِ مِنَ الفَرَجِ، وقد تخفى مُناسبَتُه إذ إنَّ الإنسانُ يَتوقَّعُ أن يَكونَ الجَوابُ خِلافَ ذلك؛ لأنَّ ظاهِرَ الحالِ أن يَقولَ: فإن يَصبِروا فَالفَرَجُ قَريبٌ مَثلًا، لكنَّه قال: فالنَّارُ مثوًى لهم، أي: فلن يَتخلَّصوا منها.

يَقولُ المُفسِّرُ رَحَمِهُ اللهُ: [{وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا} يَطلُبوا العُتْبى أي: الرِّضا {فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ}] لأنَّهم يَسألونَ الله تعالى فيَقولون: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} [المؤمنون: ١٠٧]، والجَوابُ: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون: ١٠٨]، في الدُّنيا لو طالَبوا

<<  <   >  >>