للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَقولُ المفسِّرُ رَحَمِهُ اللهُ: {أَرْدَاكُمْ} أي [أَهْلَكَكُمْ].

وقولُه تعالى: {فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} أي: صِرتُمْ مِن الخاسِرينَ، وهُنا (أَصْبَحَ) لو نَظَرنا إلى مجُرَّدِ لَفْظِها لكانت دَالَّةً على الإِصْباحِ، لكنَّها تُستَعْمَلُ في اللُّغة العربيَّة بمعنى الصَّيرورَةِ، تَقولُ: أصبَحَ لا يَعلَمُ شيئًا أي صار لا يَعلَمُ شيئًا، وهُنا أصبحتم مِنَ الخاسِرينَ ليس المَعْنى دَخَلْتم في الصَّباح خاسِرينَ، ولكنَّ المَعْنَى: صِرتُمْ مِن الخاسِرينَ، والخاسِرُ ضِدُّ الرَّابحِ، وإنَّما قال: {مِنَ الْخَاسِرِينَ} لأنَّ هؤلاءِ الَّذين أَنْكَروا البَعثَ خَسِروا الدُّنيا والآخِرَةَ في الواقِعِ، فدُنياهُمْ لم تَنفَعْهم وهُمْ في الآخِرَةِ في النَّار، وهذا غَايةُ الخُسْرانِ.

يَقولُ المفسِّرُ رَحَمِهُ اللهُ: [{فَإِنْ يَصْبِرُوا} على العَذابِ {فَالنَّارُ مَثْوًى} مأوى {لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا} يَطلُبوا العُتْبَى؛ أَي: الرِّضا {فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ} المَرضِيِّين].

{فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ} (الفاءُ) رابطَةٌ لجوابِ الشَّرطِ، (ما) نافِيةٌ تَعمَلُ عَمَلَ (ليس)، واسم (ما): (هم) مَبنيٌّ على السُّكونِ، {مِنَ الْمُعْتَبِينَ} جارٌّ ومجَرورٌ مُتعلِّقٌ بالمَحذوفِ خبرُ (ما).

وهنا تَتَّفقُ اللُّغتانِ الحِجازِيَّةُ والتَّميمِيَّةُ من حيثُ اللَّفظِ، وتختلفان من حيثُ الإعرابُ، أمَّا في قولِه تعالى: {مَا هَذَا بَشَرًا} [يوسف: ٣١] فلا تَتَّفِقُ اللُّغتانِ، فلُغةُ تميمٍ أن يُقالَ: (ما هذا بَشَرٌ)، لأنَّ (ما) مُهمَلَةٌ عند التَّميميِّينَ، وعامِلَةٌ عَمَلَ (ليس) عند الحِجازيِّينَ، فتَقولُ مَثلًا: (ما زَيدٌ قائمًا)، وإذا كُنْتَ خاطبت إنسانًا وقلت: (ما زَيْدٌ قائمًا) عرفنا أنَّك حِجازِيٌّ، وإذا خاطبت إنسانًا وقلت: (ما زَيْدٌ قائمٌ) عرفنا أنَّكَ تمَيميٌّ؛ ولهذا قال الشَّاعِرُ (١):


(١) غير منسوب، وانظر: نفح الطيب للمقري التلمساني (٥/ ٢٢٧).

<<  <   >  >>