للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إذن يُخاطَبُ بفُروعِ الشَّريعَةِ ليس مَعناها أنَّه يُؤمَرُ بفِعلِها، ولا يَعني أنَّه يَقضيها إذا أَسلَمَ؛ لأنَّ اللهَ قال: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: ٣٨].

إذن ما الفائِدَةُ؟ قال العُلماءُ الفائِدَةُ بقولنا: إنَّ الكافِرَ مُخاطَبٌ بفُروعِ الشَّريعَةِ هو زيادَةُ عُقوبَتِهم في الآخِرَةِ أنَّهم يُعاقَبونَ عَليها، وهذا حَقٌّ، أصحابُ اليَمينِ يَتَساءلونَ عَنِ المُجرِمينَ: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} [المدَّثر: ٤٢] يعني: ما الَّذي أَدْخلَكم في النَّارِ؟ {قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (٤٣) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (٤٤) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (٤٥) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (٤٦) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ} [المدثر: ٤٣ - ٤٧]، فذَكَروا الصَّلاةَ وإطعامَ المِسكينِ، وهما مِن فُروعِ الشَّريعَةِ، فعلى القَولِ بأنَّهم لا يُجازَونَ بفُروعِ الشَّريعَةِ نَقولُ: نعم، يَومَ القِيامَةِ لا يُجازَون إلَّا على أَسوَأِ أَعمالِهم وهو الكُفْرُ، ولكن على القَولِ الرَّاجحِ أنَّهم يُخاطَبون بفُروعِ الشَّريعَةِ ويُعاقَبونَ عليها، ويَكونُ هنا ذِكْرُ الأَسوَأِ؛ لأنَّه هو الأَشَدُّ، والمَقصودُ هُنا التَّهديدُ، وهل الإنسانُ يُهَدَّدُ بالأَشَدِّ، هذا هو الظَّاهِرُ واللهُ أعلَمُ.

يَقولُ المفسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: [{الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ} أي: أَقبَحُ جَزاءِ عَمَلِهم].

في الآية الكَريمَةِ هُنا وَعيدٌ لهؤلاءِ الكُفَّارِ بالعَذابِ الشَّديدِ، وهذا مِن أَساليبِ القُرآنِ، أنَّ اللهَ تعالى يُهَدِّدُ الكافِرَ والمُجرِمَ وغَيرِهما مِمَّن أَساؤوا، وفيه دَليلٌ على أنَّه ليس مِنَ القَدْحِ أنْ يَقومَ الإنسانُ بطاعَةِ اللهِ خوفًا من عَذابِ اللهِ، أنَّه لا حَرَجَ، وليس مِنَ القَدْحِ أن يَتَجَنَّبَ الإنسانُ مَعصيَةَ اللهِ خوفًا من عِقابِهِ، خِلافًا لمَن قال: أَعبُدُ اللهَ لا طَمَعًا في ثَوابِهِ ولا خوفًا من عِقابِهِ، وهَؤلاءِ تَرُدُّ عليهم النُّصوصُ كُلُّها، بل إِنَّ اللهَ تعالى جَعَلَ عُقوبَةَ الدُّنيا سَببًا للرَّدعِ عَنِ المَعاصي، قال اللهُ تعالَى في قَضيَّةِ السَّارقِ

<<  <   >  >>