فهم يُجزَونَ الجَزاءَ، أَمَّا العَمَلُ منهم فليسوا مَجْزِيِّين به، هُمُ الَّذين عَمِلوا، فإذا قال:{أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ} صار المُرادُ بذلك: أَسوَأَ الجَزاءِ، وليس المُرادُ: أَسوَأَ العَمَلِ؛ لأنَّ العَمَلَ فِعْلُ العَبدِ، والجَزاءُ فِعلُ اللهِ بهم، والمُرادُ هنا فِعلُ اللهِ بهم، ولهذا قال:{وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ}.
فإذا قال قائلٌ: لماذا عَبَّرَ بالعَمَلِ عن جَزائِهم؟
نَقولُ: إشارَةٌ إلى أَنَّ الجزاءَ بِقَدْرِ العَمَلِ، ولهذا قالَ العُلماءُ:"الجَزاءُ مِن جِنسِ العَمَلِ"، لكنَّه بالنِّسبَةِ للسَّيِّئاتِ عَدْلٌ، وبالنِّسبَةِ للحَسَناتِ فَضْلُ الحَسَنَةِ بعَشْرِ أَمثالهِا إلى سَبعِ مئَةِ ضِعفٍ إلى أضعافٍ كَثيرةٍ، والسَّيِّئةُ بمِثلِها.
وقولُهُ:{أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ} ظاهِرُ الآيَةِ أنَّ اللهَ يَجزيهم أَسوَأَ أعَمالهِم، وغَيرُ الأَسوَأِ ما دون الأَسْوأِ، يَعني: السَّيِّئَ، فهل يُجازَى الكافِرُ بأَقْبَحِ أعمالِه أو بِكُلِّ أعمالِهِ؟ هذا يَنْبَني على: هلِ الكافِرُ مخُاطَبٌ بالفُروعِ أو لا؟ يعني: مثلًا الكافِرُ هل هو مخُاطَبٌ بِصِلَةِ الرَّحمِ؟ هل هو مخُاطَبٌ بالصِّدْقِ؟ هل هو مخُاطَبٌ بالصَّلاةِ؟ هل هو مخُاطَبٌ بالزَّكاةِ؟ وما أَشبَهَ ذلك، في هذا خِلافٌ بينَ العُلماءِ، والصَّحيحُ أنَّه مخُاطَبٌ، مخُاطَبٌ بِفُروعِ الأعمالِ؛ لأنَّه إذا كان المُسلِمُ مُخاطَبًا بها، فالكَافِرُ من باب أَوْلى، كيف نَقولُ: إنَّ المُسلِمَ يُجازَى ويُعاقَبُ على عُقوقِ الوالِدينِ والكَافِرُ لا يُعاقَبُ، لا يُمكِنُ هذا، فالصَّوابُ أنَّهم مُخاطَبونَ بِفُروعِ الشَّريعَةِ، لكنَّهم غَيرُ مُخاطَبينَ بفِعلِها. يَعني لا يُقالُ للكافِرِ مثلًا: لماذا تَشرَبُ الدُّخانَ؟ حَرامٌ عليكَ، هذا غَيرُ لائِقٍ، هذا كافِرٌ، ادعُه أَوَّلًا للإسلامِ ثُمَّ كَلِّمْهُ.