للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أمَّا إبليسُ فأَوَّلُ مَن سَنَّ الكُفْرَ؛ لأنَّ اللهَ أَمَرَه أن يَسجُدَ لآدَمَ فأبى واستكبَرَ وكان مِن الكافِرينَ، وأمَّا قَابيلُ فأَوَّلُ مَن سَنَّ القَتلَ بِغيرِ حَقٍّ؛ لأَنَّه قَتَل أخاه حَسدًا وبَغيًا، قَرَّبا قُربانًا فتُقُبِّلَ من أحدِهما ولم يُتَقَبَّلْ مِن الآخرِ، وكيف عَلِما أنَّه تُقُبِّلَ من أَحدِهما دون الآخَرِ؟ اللهُ أعلمُ، إمَّا أن يَكونَ بنارٍ نَزَلَت فأَكَلَت ما تُقُبِّلَ كما يَكونُ ذلك في الغَنائمِ سابقًا، وإمَّا بغَيرِ ذلك مِن العَلاماتِ. المُهمُّ أنَّ أحدَهما تُقُبِّل منه والثَّاني لم يُتَقَبَّلْ منه، الَّذي تُقُبِّل منه هو هابيلُ، والثَّاني قابيلُ لم يُتَقَبَّلْ منه فحَسَدَه وقال: {لَأَقْتُلَنَّكَ} لماذا؟ حَسدًا؛ لأنَّ اللهَ تَقبَّل منه، فقال له أخوه هابيلُ: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: ٢٧] كأنَّه يَقولُ له: اتَّقِ اللهَ فيَتقبَّل منك، ثُمَّ قال لَهُ: {لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} [المائدة: ٢٨] يَعني: أنَّك إن أَردتَ أن تَقتُلَني ما أَنا بباسِطٍ يدي لأَقتلَك لأنِّي أَخافُ اللهَ.

ولعلَّ هذا كان في شَريعَةِ مَن سَبَقَ أنَّه لا يَجوزُ للإنسانِ أن يُدافِعَ عن نفسِهِ، أو أنَّه خاف مِن مَفسدَةٍ أَكبَرُ، ومَعلومٌ أنَّ دَفْعَ المَفسدَةِ الكُبرى أَمْرٌ واجِبٌ: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (٢٩) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [المائدة: ٢٩ - ٣٠] فكان قابيلُ أَوَّلَ مَن سَنَّ القَتلَ بغَيرِ حَقٍّ، وصارت كُلُّ نفسٍ تُقتَلُ بغيرِ حَقٍّ فعلى قابيلَ شيءٌ مِن وِزرِها والعِياذُ باللهِ، لأنَّهُ أوَّلُ مَن سنَّ القَتلَ، ومَن سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً فعليه وِزرُها ووِزرُ مَن عَمِلَ بها إلى يومِ القِيامَةِ.

فإِنْ قال قائلٌ: قَوُل اللهِ عَزَّ وَجَلَّ حكايةً عن ابنِ آدمَ الأَوَّلِ: {لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ} هل يَكونُ هذا في شَرعِنا فيما يَخُصُّ الفِتَنَ؟

فالجَوابُ: بلى، هذا في الفِتنَةِ لكن في مَسألَةِ قابيلَ وهابيلَ ليس فيها فِتنَةٌ،

<<  <   >  >>