للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولهذا أَمَرَ الرَّسولُ عند الفِتنَةِ أن يَكونَ الإنسانُ كخيرِ ابنَيْ آدمَ، كما فَعلَ عُثمانُ - رضي الله عنه - حينَ ثارَ عليه الثُّوَّارُ، وأراد الصَّحابَةُ أن يُدافِعوا عنه، أَمَر بالإمساكِ.

لكن هل الأمرُ كما قال المفسِّر: إنَّه الشَّيطانُ، يعني: إِبليسُ الَّذي أبى واستكبرَ عنِ السُّجودِ لآدمَ أوِ المُرادُ الجِنسُ؟ الصَّوابُ الثَّاني بِلا شَكٍّ؛ لأنَّ كَثيرًا مِن الكافِرينَ لا يَخطُرُ ببالهِم أنَّهم كَفَروا تَأسِّيًا بالشَّيطانِ الَّذي أبى واستَكْبَرَ، وكَثيرٌ منَ القَتَلَةِ لا يَتَأَتَّى ببالِه أنَّه فَعَلَ ذلك تَأَسِّيًا بقابيلَ.

فإذا كانت الآيَةُ تَدُلُّ بلَفظِها على العُمومِ والمَعنى يَقتَضي ذلك، فإنَّه لا وَجهَ لكونِنا نَخُصُّها بمُعَيَّنٍ. وهذه قاعِدَةٌ يَجِبُ أن نَفهَمَها من قَواعدِ التَّفسيرِ: أنَّ اللَّفظَ العامَّ لا يَجوزُ أن يَقتصِرَ فيه على بعضِ أفرادِه إلَّا بدَليلٍ، فإن لم يَكُن دَليلٌ فالواجِبُ العُمومُ.

هُنا نَقولُ الواجِبُ العُمومُ؛ لأنَّ اللَّفظَ عامٌّ ولأنَّ المَعنى يَقتَضيه؛ لأنَّ كُلَّ إنسانٍ كافِرٍ قد لا يَخطُرُ ببَالِه أنَّه مُتَأسٍّ بالشَّيطانِ بإبْليسَ، كُلُّ إنسانٍ يَقتُلُ عمدًا بِلا حقٍّ لا يخطُرُ ببالِه أنَّه قَتَل تأسِّيًا بقابيلَ، وحينَئِذٍ فاللَّفظُ والمَعنى لا يُساعدانِ على التَّخصيصِ بإبْليسَ وقابيلَ.

وقولُهُ: {أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ}، {الْجِنِّ} على كَلامِ المفسِّر هو إِبليسُ: {وَالْإِنْسِ} قابيلُ، والصَّوابُ العُمومُ.

فإن قال قائِلٌ: نَحنُ نَعلمُ أنَّ الإنسانَ يُضِلُّه البَشَر يَأتي إنسانٌ سَيِّئٌ ويُضِلُّه، لكن كيف يَكونُ مِنَ الجِنِّ؟

قُلنا: لأنَّ الجِنَّ وعلى رَأسِهم الشَّيطانُ يَأمرُ الإنسانَ بالفَحشاءِ، وَيأمُرُه بالمُنكَرِ،

<<  <   >  >>