للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويَأمُرُه بالكُفرِ، فيَكونُ بذلك مُضلًّا له، أرأيتم ما حَصَلَ من آدَمَ وزَوجِه ألم يَكُنِ الشَّيطانُ قد أَضَلَّهما؟ بلى، قد أَضَلَّهما، نَهاهما اللهُ عن الأَكلِ مِنَ الشَّجرَةِ، فجاء لَهما الشَّيطانُ بغُرورٍ، وجعل يُقسِمُ لهما أنَّه ناصحٌ، ووَسوسَ إليهما حتَّى أَكَلا مِنَ الشَّجَرةِ.

فإِنْ قال قائِلٌ: هلِ الجِنُّ المُضِلُّ للإنسِ يَكونُ مِن جَميعِ الجِنِّ أم مِن جِنسٍ خاصٍّ؟

فالجَوابُ: مِن المَعلومِ أنَّ الجِنَّ فيهم الصَّالحونَ وفيهم دونَ ذلك، وفيهم المُسلِمونَ وفِيهم الكُفَّارُ، فالَّذي يُضِلُّ إنَّما هو الكافِرُ، أمَّا الجِنِّيُّ المُؤمنُ فلا يُضِلُّ.

وإن قيل: هل جَميعُ كُفَّارِ الجِنِّ مَكَّنَهم اللهُ عَزَّ وَجَلَّ من إغواءِ الإنسِ؟

فالجَوابُ: لا، لكن أَصلُ كُفرِ الإنسانِ منَ الشَّيطانِ والنَّفسِ، والشَّيطانُ منَ الجِنِّ لا شكَّ في هذا: {إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ} [الكهف: ٥٠].

قال اللهُ تعالى: {نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا}، {نَجْعَلْهُمَا} بالجَزمِ جَوابُ الأمرِ في قَولِه: {أَرِنَا} يعني: إن أَريتَنا إيَّاهما: {نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا}، يَقولُ المُفسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: [في النَّارِ]، ولا شكَّ أنَّ الَّذي يَجعَلَه الإنسانُ تحتَ قدمِه قد أذلَّه أعظَمَ الإذلالِ، ولهذا مِن الأمثالِ السَّائرَةِ أنَّ الإنسانَ إذا أرادَ إعزازَ شَخصٍ قال: أنت مِنِّي على الرَّأسِ، وإذا أَرادَ إذلالَه قال: أنت تَحتَ قَدَمي.

فهم يَقولونَ: {أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ}. يَقولُ المُفسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: [أي: أَشَدَّ عذابًا منَّا] كما كانا عالِيَينِ علينا مِن قَبلُ فلْنَجْعَلْهما نحنُ الآنَ تَحتَ أقدامِنا؛ ليَكونا مِن الأسفَلينَ.

فإِنْ قال قائلٌ: الدُّعاءُ في قولِهِ تعالَى: {رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا}، هل هو خاصٌّ

<<  <   >  >>