فقوله تَعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (١٧) ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ} [الانفطار: ١٧ - ١٨] , هذا مجُمَلٌ فصَّلَهُ بِقَولِه: {يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} [الانفطار: ١٩].
وقَوله تَعالى: {الْقَارِعَةُ (١) مَا الْقَارِعَةُ (٢) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ} [القارعة: ١ - ٣] مجُمَلٌ فصَّلَه بِقولِه: {يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ}. فالتَّفْصيلُ هُنا -أي: التَّفْصيلُ المعنويُّ -يعني بيانَ القرآنِ أنَّه بيَّنَ ووضَّحَ، حتَّى لو جاءَ مُجملًا فلا بدَّ أنْ يُبيَّن.
فإذا قالَ قائلٌ: قالَ اللهُ تَعالى: {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ}، وفي آية أُخرى قالَ: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ} [الزمر: ٢٣] , فأين الجَمعُ بينَ هذِه الآياتِ؟
الجَوابُ: لا تَعارُضَ؛ لأنَّ قولَه: "مَثانيَ" بمعنى "فُصِّلَتْ"، حيثُ إنَّ معناها تُثنَّى فيه المَعاني، فيَذكُرُ الخَيرَ ثمَّ الشَّرَّ، يَذكُرُ أهلَ الخيرِ وأهلَ الشَّرِّ، والجنّةَ والنَّارَ وما أشبَهَ ذلِكَ؛ هذا هوَ المُرادُ بِقولِه: "مَثانيَ".
أمَّا قوله: "مُتَشابِهًا"، فمَعناه: أنَّه يُشبِهُ بعضُهُ بعضًا في الكَمالِ والحُسْنِ والجَودَةِ.
فإنْ قِيلَ: ما الجَمعُ بينَ ثَناءِ اللهِ على القُرآنِ بأنَّه مُتَشابِهٌ وبيْنَ قولِه تَعالى: {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ} [آل عمران: ٧]؟
قُلْنا: الجَمعُ بينهما أنَّه مُتشابِهٌ في الحُسْنِ، يُشبهُ بَعضُه بَعضًا، وأمَّا محُكَماتٌ ومُتَشابهاتٌ، فالمُحكَماتُ هي: ما اتَّضحَ مَعناها، والمتشَابهاتُ هي: ما خفِيَ مَعناها.
وقولُه رَحِمَهُ اللَّهُ: [{قُرْآنًا عَرَبِيًّا} حالٌ مِنْ "كتابٌ" بصفَتِه].
مفسِّرُ الجلالَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ جيد جدًّا، حيث قالَ: إنَّ {قُرْآنًا} [حالٌ]، فكأنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute