للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَقولُ المُفسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: [{مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ} بالتَّوحيدِ]. وهذا لا شَكَّ حَسَنٌ، لكنَّ الآيَةَ أشمَلُ مِنَ التَّوحيدِ، {مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ} بالتَّوحيدِ والعَمَلِ الصَّالحِ، وغَيرِ ذلك مِمَّا يُجعلُ إلى اللهِ، وقولُه: {مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ} يَعني: إلى دينِ اللهِ، ودينُ اللهِ يَتضمَّنُ التَّوحيدَ والأعمالَ الصَّالحةَ.

ثانيًا: قال: {وَعَمِلَ صَالِحًا} فبَدَأَ بإصلاحِ الغَيرِ ثُمَّ ثَنَّى بإصلاحِ النَّفْسِ مع أنَّ مَن دعا إلى اللهِ فهو مُصلِحٌ أيضًا.

قَولُه تعالى: {صَالِحًا} صِفةٌ لمَوصوفٍ محَذوفٍ، التَّقديرُ: وعَمِلَ عملًا صالِحًا، ولا يَكونُ العَمَلُ صالِحًا إلا بشَرْطينِ هما: الإخْلاصُ للهِ, والمُتابَعةُ لرَسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -.

فعَمَلُ المُرائي فَقَدَ الإخلاصَ، وعَمَلُ المُبتَدِعِ فَقَدَ المُتابعةَ، وحينَئِذٍ نَقولُ لهؤلاء المُبتَدِعينَ الَّذين عِندَهم منَ الإخلاصِ للهِ ما عِندَهم: إنَّ عَمَلَكم حابِطٌ، قال النَّبيُّ - صلَّى اللهُ عليه وعلى آله وسلَّم-: "مَن عَمِلَ عملًا ليس عليه أَمرُنا فهو رَدٌّ" (١).

ثُمَّ نَقولُ: حَقيقَةُ الإخلاصِ تَستلزِمُ ألَّا تَعبُدَ اللهَ إلَّا بما شَرَعَ لا تَعبُدُه بهَواكَ؛ لأنَّك إذا عَبدتَ اللهَ بهَواكَ بالبِدعَةِ فأنت غَيرُ مخُلِصٍ، المُخلِصُ لا بدَّ أن يَعبُدَ اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بما شَرَعَ، فصار العَمَلُ الصَّالحُ ما تَركَّبَ من شَيئينِ: الأَوَّلُ: الإخلاصُ، والثَّاني: المُتابَعةُ لرَسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -.

فإِنْ قال قائلٌ: كيف نَجمَعُ بين هذا وبينَ حَديثِ الرَّسولِ - صلى الله عليه وسلم -: "أنَّه يَخرُجُ مِنَ النَّارِ أُناسٌ لم يَعمَلوا خَيرًا قط" (٢)؟


(١) أخرجه مسلم: كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة، ورد محدثات الأمور، رقم (١٧١٨)، من حديث عائشة - رضي الله عنه -.
(٢) أخرجه مسلم: كتاب الإيمان، باب معرفة طريق الرؤية، رقم (١٨٣)، من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>