فالجَوابُ: أنَّ هذا عُذِّبَ على ما تَرَكَ، وما تَنزَّلت عليه المَلائِكةُ، ثُمَّ لا بدَّ أن يَكونَ عِندَ الإنسانِ عَقيدَةٌ إِيمانيَّةٌ وإِلَّا لقُلنا: إِنَّ النَّصارى أيضًا يَخرُجون مِنَ النَّارِ بعَقيدتِهم.
قال اللهُ تعالى:{وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} قال باللِّسانِ والقَلبِ بهما جَميعًا.
فإن قال قائِلٌ: قولُهُ: إنِّي مِنَ المُسلمينَ هو مِنَ العَمَلِ الصَّالحِ لا شكَّ، فما الفائِدَةُ من ذلك؟
قُلنا: الفائِدَةُ أنَّه يُعلنُ هذا القَولَ ولا يُبالي بمَنْ خالَفَهُ؛ لأنَّ مِن النَّاسِ مَن يَعمَلُ صالحًا لكن تَجِدُه مُتَستِّرًا ليس عِندَه الشَّجاعَةُ الَّتي تَجعَلُه يُعلِنُ ذلك.
ذَكَرَ بعضُ أهلِ العِلمِ أنَّ المُرادَ بذلك المُؤذِّنُ؛ لأنَّ المُؤذِّنَ يَدعو إلى اللهِ يَقولُ للنَّاسِ: حَيَّ على الصَّلاةِ حَيَّ على الفَلاحِ، ولأنَّه مُؤمنٌ عاملٌ صالِحًا، ولأنَّه يَقولُ: أشهدُ أن لا إِلهَ إلَّا اللهُ، يُعلِنُها وأَشهَدُ أنَّ محمَّدًا رَسولُ اللهِ، وهذا معنى قولِه:{إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}.
لكنَّ الصَّحيحَ أنَّ الآيَةَ عامَّةٌ تَشمَلُ المُؤَذِّنَ وغَيرَ المُؤذِّنِ، الخَطيبُ على المِنبرِ يَدخُلُ في الآيَةِ، المُعلِّمُ في حَلْقةِ تَعليمِه يَدخُلُ في ذلك، فالآيَةُ أَعمُّ مِمَّا ذُكِرَ.
ولكنِ اعلَمْ أنَّ بعضَ السَّلَفِ يَذكُرُ للآيَةِ مَعنًى خاصًّا لا يُريدُ حَصرَها في هذا المَعنى، وإنَّما يُريدُ التَّمثيلَ، وهذه مَسألَةٌ قد تَفوتُ على بَعضِ النَّاسِ، دائمًا نَنظُرُ في تَفسيرِ ابنِ كثيرٍ أو ابنِ جَريرٍ أنَّه قال فُلانٌ كذا لجُزءِ المَعنى، فهم لا يُريدون أن