للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يُعاني مُعاناةً شَديدةً إذا سَلَكَ هذا الطَّريقَ وهي الدِّفاعُ بالَّتي هي أحسنُ، لا بُدَّ أن يَجِدَ عَناءً ومَشقَّةً فأثْنَى اللهُ تَعالى على الصَّابرينَ على ذلك.

والصَّبرُ لا يَحتاجُ إلى أن نُطيلَ الشَّرحَ فيه؛ لأنَّهُم قالوا: يَكونُ ثَلاثَةَ أنواعٍ: يَكونُ صَبرًا على طاعَةِ اللهِ، وصَبرًا عن مَعصيتِه، وصَبرًا على أقدارِه.

قال اللهُ تعالى: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}.

يَقولُ المُفسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: [{ذُو حَظٍّ} ثوابٍ]، والصَّوابُ أن يُقالَ: الحَظُّ النَّصيبُ، أي: وما يُلَقَّاها إلَّا ذو نَصيبٍ عَظيمٍ، ليس مِنَ الثَّوابِ فَحسْبُ، بل مِنَ الثَّوابِ والأخلاقِ والرَّزانَةِ وغيرِ ذلك، يَعني: مَن له نَصيبٌ عَظيمٌ مِنَ الثَّوابِ والأخلاقِ والرَّزانَةِ والتَّأنِّي وغيرِ ذلك، فلا يَنبَغي أن يَقتَصِرَ في ذلك على الثَّوابِ.

فإِنْ قال قائِلٌ: قَولُه تعالى: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} هل يَكونُ ظاهِرًا أو معنَويًّا، لأنَّ الصَّفحَ في مَنظورِ النَّاسِ هو خَوفٌ وجُبنٌ؟

فالجَوابُ: لا، هذا هو الحِكمَةُ في أنَّ اللهَ قال: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} لأنَّ الإنسانَ يَنالُ دَرجةً عَظيمَةً عاليةً مِنَ الأخلاقِ والرَّزانَةِ والرُّجولَةِ والثَّوابِ، وليس الحَظُّ العَظيمُ أنَّ الإنسانَ يَزدادُ دِرهمًا ودينارًا, الأخلاقُ هي كُلُّ شيءٍ سَواءٌ مَع اللهِ أو مَع عِبادِ اللهِ.

وإنَّما الأُمَمُ الأخلاقُ ما بَقِيَت ... فإن هُمُ ذَهَبت أخلاقُهم ذَهَبوا

ولمَّا ذَكَر اللهُ تَعالى دَفعَ العَدُوِّ مِن بني آدَمَ ذَكَر دَفعَ العَدُوِّ مِن غيرِ بَني آدَمَ؛ فقال: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} في مُدافعَةِ العَدُوِّ مِن غيرِ بَني آدَمَ، لم يَقُلْ: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، بل قال: الجَأْ إلى اللهِ؛ لأنَّك لا تَستطيعُ أن تَدفَعَ

<<  <   >  >>