للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فأصبحت الدُّنيا ضياءً.

كذلك مِن آياتِه الشَّمسُ والقَمرُ، وما أَعظَمَها من آيَةٍ، هذانِ الكَوكبانِ يَسيرانِ مُنذُ خَلَقَهما اللهُ عَزَّ وَجَلَّ إلى أن يَأذَنَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بخَرابِهما يَسيرانِ على نَمَطٍ واحدٍ لا يَتَعَدَّيانِه ولا يَتجاوَزُانَّه قال بَعضُ العُلماءِ: لو أنَّ الشَّمسَ بَعُدَت عن مَقَرِّها شَعرةً واحدةً لهَلَكَ النَّاسُ مِنَ البَردِ وجَمُدَت المَائعاتُ، ولو أنَّها نَزَلَت شَعرَةً واحدةً لَذابَت الأرضُ مِنَ الحَرِّ، وهذا مِن قُدرَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ هذا الجِرمُ العَظيمُ له هذه الإضاءةُ العَظيمَةُ مع البُعدِ التَّامِّ.

وهذه الحَرارَةُ العَظيمَةُ مع البُعدِ التَّامِّ، لو أنَّك سَعَّرت أَقوَى نارٍ في الدُّنيا ما بَلَغَت مَسافةَ حَرِّها إلى مئةِ مِترٍ، ومعَ ذلك تَجِدُ مَسَّ الحَرارَةِ فقط لا أن يَصِلَ إلى هذه الدَّرجَةِ، وهذه بَينَك وبَينَها ما لا يَعلَمُه إلَّا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وتَجِدُ هذا الحَرَّ في أيَّامِ الصَّيفِ، قال لي بَعضُهم: رُبَّما بَدَأَ المَاءُ يَغلي مِن شِدَّةِ الحرارَةِ في بَعضِ المَناطِقِ، مِمَّا يَدُلُّ على عَظَمَةِ هذه الشَّمسِ.

والقَمرُ أيضًا عَظيمٌ، هذا القَمرُ الكَوكَبُ الكُتلَةُ يُضيءُ هذه الإضاءَةَ العَظيمَةَ مِن بُعدٍ مع ذلك هو باردٌ لا يُسخِّنُ الجَوَّ ولا يُسَخِّنُ الأرضَ؛ لأنَّه آيَةَ لَيلٍ. أرأيتم لو أنَّه كان حارًّا أيَتمتَّعُ النَّاسُ باللَّيلِ كما يَتمتَّعونَ اليومَ؟ لا يَتمتَّعونَ أبدًا، لكن مِن رحمَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أن جَعَلَه نورًا باردًا حتَّى لا تَبقى حَرارَةُ الأرضِ طَوالَ أَربعٍ وعِشرينَ ساعةً، وحتَّى يَستقِرَّ النَّاسُ في مَنامِهم وذَهابِهم ومجَيئِهم.

قال اللهُ تَعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ} (مِن) هذه للتَّبعيضِ وعَلامَةُ مِنِ التَّبعيضِيَّةِ أن يَحِلَّ مَحلَّها بَعضُ، يَعني: بَعضُ آياتِه اللَّيلُ والنَّهارُ والشَّمسُ والقَمرُ، وذَكَرنا وَجهَ كَونِها هذه الأربع مِن آياتِه.

<<  <   >  >>