ثُمَّ قال اللهُ تعالى:{لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ} الخِطابُ لجميعِ العِبادِ نَهاهم أن يَسجُدوا للشَّمسِ ولا للقَمرِ؛ لأنَّ مِن النَّاسِ مَن يَعبُدُ الشَّمسَ والقَمرَ ويَسجُدُ لها، وقد أَخبَرَ النَّبيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ:"أنَّ الشَّمسَ تَطلُعُ بين قَرنَيْ شَيطانٍ فإذا طَلُعَت سَجَدَ لها الكُفَّارُ"(١)؛ ولذلك نُهِيَ عنِ الصَّلاةِ عندَ طُلوعِ الشَّمسِ وعندَ غُروبِها، وقال بَعضُ العُلماءِ رَحِمَهُ اللَّهُ: إنَّ المُرادَ: لا تَسجُدوا للشَّمسِ ولا للقَمرِ عندَ تَغيُّرِ هما بالكُسوفِ.
ولكن في قوله تعالى:{وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ} يَقولُ المُفسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: [أي: الآياتِ الأربعَ، {إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}]، يَعني: إن كُنتُم صادِقينَ في عِبادتِه فلا تَسجُدوا لغَيرِه؛ لأنَّ مَن يعبُدُ اللهَ ويَعبُدُ غَيرَه ليس صادقًا في عِبادَتِه، فالصَّادقُ في عِبادَتِه هو الَّذي يُخلِصُ العِبادَةَ للهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وقوله تعالى:{وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ} المُرادُ بِالسُّجودِ هُنا - واللهُ أعلمُ - ما هو أعمُّ مِنَ السُّجودِ الخاصِّ الَّذي هو وَضعُ الأعضاءِ السَّبعَةِ على الأرضِ؛ أي أنَّ المُرادَ بالسُّجودِ هُنا الذُّلُّ، كما قال تعالى:{وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا}[الرعد: ١٥].
ويَحتَمِلُ أن يَكونَ المُرادُ به السُّجودَ الخاصَّ؛ لقَولِه:{لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ} والقاعدَةُ في عِلمِ التَّفسيرِ أنَّه إذا كان اللَّفظُ يَحتَمِلُ مَعنيينِ أَحدُهما أوسعُ وأعَمُّ وأشمَلُ، فإنَّه يُحمَلُ على الثَّاني الَّذي هو أَوسَعُ وأعمُّ.
وقوله تعالى:{وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ} الَّذي خَلَقَ هذه الأشياءَ، وفي
(١) أخرجه مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب إسلام عمرو بن عبسة، رقم (٨٣٢)، من حديث عمرو بن عبسة - رضي الله عنه -.