للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هذا إِشارَةٌ إلى أنَّ اللهَ هو المُستَحِقُّ لأن يُسجَدَ له؛ لأنَّه هو الخالِقُ، وأمَّا هذه فهي مَخلوقَةٌ لا تَستَحِقُّ أن يُسجَدَ لها.

وقَولُه تَعالى: {إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} أي: إن كُنتم ذَوِي عِبادَةٍ للهِ حقًّا فاسجُدوا للهِ ولا تَسجُدوا للشَّمسِ ولا للقَمرِ.

وقَولُه: {إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} العِبادَةُ بمَعنى: الذُّلِّ، ومنه قَولهُم طَريقٌ مُعَبَّدٌ؛ أي: مُذَلَّلٌ لمَن سَلَكَه ليس فيه وُعورَةٌ لا طُلوعَ ولا نُزولَ ولا التِفافَ يَمينًا ولا شِمالًا، فالطَّريقُ المُعَبَّدُ يَعني: المُذَلَّلَ. إذن فَالتَّعبُّدُ للهِ هو التَّذَلُّلُ له مَحبَّةً وتَعظيمًا. واعلَمْ أنَّ العِبادَةَ تُطلَقُ على مَعنيينِ:

المَعنى الأَوَّلِ: التَّعبُّدُ للهِ الَّذي هو فِعلُ العابِدِ.

والمَعنى الثَّاني: المُتَعَبَّدُ به الَّذي هي العِباداتُ، ولهذا قال شَيخُ الإسلامِ ابنُ تَيمِيَّةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: "إنَّ العِبادَةَ اسمٌ جامعٌ لكُلِّ ما يُحِبُّه اللهُ ويَرضاه" (١) بناءً على أنَّ المُرادَ بها المُتَعَبَّدُ به.

قَولُه تعالى: {إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} قَدَّمَ المَفعولَ به لإِفادَةِ الحَصْرِ؛ لأنَّ مِن القَواعدِ المُقَرَّرةِ في عِلمِ البَلاغَةِ وغَيرِها أنَّ تَقديمَ ما حَقُّه التَّأخيرُ يُفيدُ الحَصْرَ، فإذا قُلتَ مَثلًا: إيَّاك أَكرَمْتُ، المَعنى لم أُكْرِمْ غَيرَك، وقَولُ القائِلِ في سورَةِ الفاتِحَةِ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} يَعني: لم نَعبُدْ غَيرَك {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: ٥] يَعني: لا نَستَعينُ غَيرَك.

ثُمَّ قال تَعالى: {فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا} يَعني: عن عِبادَةِ اللهِ والسُّجودِ له فإنَّ اللهَ تَعالى غَنيٌّ عنهم.


(١) مجموع الفتاوى (١٠/ ١٤٩).

<<  <   >  >>