للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَقولُ المُفسِّرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: [{فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا} عَنِ السُّجودِ للهِ وَحدَه {فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ} أي: فالمَلائِكةُ {يُسَبِّحُونَ} يُصَلُّون {لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ} لا يملون] يَعني: فإنِ استَكبَرَ هَؤلاءِ عَن عِبادَةِ اللهِ فللهِ عِبادٌ آخَرون، كما في قَولِهِ تَعالى: {فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ} [الأنعام: ٨٩].

ثُمَّ على فَرضِ أنَّه لا يُوجَدُ عابدٌ للهِ فإنَّ اللهَ تَعالى يَقولُ: {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ} [الزمر: ٧] {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: ٩٧] فهُنا شَيئانِ:

الشَّيءُ الأَوَّلُ: أن يَستكبِرَ طائفَةٌ مِن المَخلوقينَ عن عِبادَةِ اللهِ، فإنِ استَكبَروا فهُناكَ طائفَةٌ أُخرى تَعبُدُ اللهَ.

الثَّاني: أن يَستكْبِرَ الكُلُّ وهذا مُحالٌ حَسَبُ ما نَعلمُ، لكن على فَرضِ أنَّ جَميعَ المَخلوقاتِ استَكبَرَت عن عِبادَةِ اللهِ، فإنَّ اللهَ غَنِيٌّ عنهم، كُلُّ هذا أَفصَحَ اللهُ عنه: {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ} {فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ}، هذا إذا كَفَرَ بَعضٌ وآمَنَ بَعضٌ.

{فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ} هذا إذا استكبَرَ بَعضٌ وذَلَّ بَعضٌ: {فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ}.

جُملَةُ {فَالَّذِينَ} هي جَوابُ الشَّرطِ وقُرِنت بالفاءِ؛ لأنَّ ما بَعدَها لا يَصِحُّ أن يَكونَ فِعلًا للشَّرطِ، وهذه قاعِدَةٌ: إذا كان جَوابُ الشَّرطِ لا يَستقيمُ أن يَكونَ فِعلًا للشَّرطِ وَجَبَ اقتِرانُه بالفاءِ كما قال ابنُ مالكٍ (١):

واقرِنْ بفا حتمًا جَوابًا لو جُعِلَ ... شرطًا لـ (إن) أو غَيرِها لم يَنْجَعِلْ


(١) الألفية (ص: ٥٨).

<<  <   >  >>