للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: إِثباتُ المَشيئَةِ للعَبْدِ؛ لقَولِه: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} فيكونُ في ذلك رَدٌّ على الجَبِرَيَّةِ.

فالجَبرَيَّةُ يَقولونَ: الإنسانُ مجُبَرٌ على العملِ، وليس له أيُّ إرادَةٍ فيما يَفعَلُ، عَجبًا

لهم يُصلِّي بِلا إرادَةٍ، ويَتوضَّاُ بِلا إرادَةٍ، وَيمشي بِلا إرادَةٍ، ويَقعُدُ بِلا إرادَةٍ، وُيؤمنُ

بِلا إرادَةٍ، ويَكفُرُ بلا إرادَةٍ، سُبحانَ اللهِ - مجُبَرٌ قال: نَعَمْ، مجُبَرٌ، فالحَركةُ هذه طَبيعيَّةٌ

فيه كالإحراقِ في النَّارِ، هل النَّارُ تَحرِقُ باختِيارِها؟ لا، لكن أُودعَ فيها الإحراق،

هم يَقولونَ: هذه الأفعالُ والحَركاتُ مِنَ الإنسانِ لا إرادِيَّةَ، لكنَّه جُبِلَ عليها.

وَيقولونَ: إنَّ حركَتَه الإرادِيَّةَ كحَركتِه الاضطرارَيَّةِ فنُزولُ الإنسانِ في الدَّرجِ

مِنَ العُليا إلى السُّفلى وصُعودُه مِنَ السُّفلى إلى العُليا، كمَن دَحرَجَ دَحرجَةً على الدَّرجِ،

والمُدحرِجُ ليس له اختِيارٌ، هم يَقولون هكذا، الَّذي يَنزِل باختِيارِه لا فَرقَ.

فقيل لهُم: إذا كان كذلك، فإنَّ مِن أظلَمِ الظُّلمِ أن يُعذِّبَ اللهُ الظَّالمَ؛ لأنَّ الظَّالمَ

يَقولُ: أنا مجُبَرٌ ولا لي قُدرَةٌ ولا لي اختيارٌ قالوا: لا يُمكنُ، الظُّلمُ في حقِّ اللهِ مُستحيلٌ

لذاتِه، لا لأنَّ اللهَ لا يُريدُه لكنَّه مُستحيلٌ لذاتِه لماذا؟ قالوا: لأنَّه تَصرُّفُ الخالِقِ في

مُلكِه والمُتَصَرِّفُ في مُلكِه ليس بظالِمٍ، ولهذا قال ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ عنهم (١):

والظُّلمُ عندهم المُحالُ لذاتِه ... ................

ونحنُ نَقولُ: أخطَأتُم؛ لأنَّ اللهَ تَعالى شَرَعَ شَرائِعَ وأوعَدَ مَن خالفَها ووَعَدَ مَن وافَقَها وأعطى الإنسانَ حُرّيَّةً، والظُّلمُ مُمكِنٌ في حَقِّ اللهِ لكنَّه مُستحيلٌ عليه إِرادَةً، بمعنى أنَّه لا يُريدُ الظُّلمَ ولو شاءَ لظَلَمَ لكنَّه لا يُريدُه وليس وَصْفَه إطلاقًا،


(١) النونية (ص: ٨).

<<  <   >  >>