للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ} [ص: ٨] لَمَّا هُنا بِمعنى "لَمْ"، فَهي نافيةٌ لَكنَّها لَا تَدخلُ إِلَّا على شيءٍ مُتَوقَّعٍ، فمعنى: {لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ} أي: لَمْ يَذوقوه، ولَكنَّهم مُستحِقُّون لَه، وَالعذابُ مِنهم قَريبٌ.

٣ - وَمنها أَنَّها تَأتي بِمعنى "إِلَّا" كَقولِه تَعالى: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} [الطارق: ٤] أي: إِلَّا عليها حَافِظٌ.

٤ - وَمنها أَنَّها تَأتي شَرطيَّةً كَقولِه تَعالى: {فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ} [يوسف: ٩٦] تَقولُ: لمَّا زارَني أَكرمتُهُ.

فهذه أَربَعةُ أَوجُهٍ لِـ (لَمَّا)، الوَجهُ الأوَّلُ: ظَرفٌ، الثَّاني: نَافيةٌ جَازمةٌ، الثَّالثُ: بمعنى إِلَّا، الرَّابعُ: شَرطيَّةٌ.

لم يَذكُرِ اللهُ تَعالى خَبرَ "إِنَّ" بَلْ حَذَفَه من أَجْلِ أَنْ تَذهبَ النَّفسُ في تَقديرِه كُلَّ مَذهَبٍ، بِمعنَى أَنْ يُفكِّرَ الِإنسانُ فيما يَحصُلُ لهم، فتَجدُ الإنسانَ يُؤَمِّلُ ويُفَكِّرُ كَذا أو كَذا، ولهِذا قَدَّرهُ المُفسِّرُ رَحِمَهُ اللهُ بِقَولِه: [نُجازيهم]، فـ (نُجازيهم) على تَفسيِر المفسِّر هي خَبرُ إِنَّ، ويَجوزُ أَنْ تُقدَّرَ، لهِذا يُمْكنُ أَنْ تَقولَ: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ} سوف يُعاقَبون أو لهم نارُ جهنَّمَ، أو ما أَشْبهَ ذلكَ.

المُهمُّ أنَّ حَذْفَه من أَجْلِ أن يَذْهبَ الذِّهنُ كُلَّ مَذهبٍ في تَقْديرِ الخَبَرِ، لكنَّنا نَعلمُ عِلمَ اليقينِ أَنَّه لا يُمكنُ أنْ يُقدِّرَ خَبرًا سارًّا، يَعني لا يُمكنُ أن نَقولَ: التَّقديمُ أَنَّ الَّذينَ كَفَروا بذِكري لمَّا جاءهم لَهُم جنَّاتُ النَّعيمِ، هذا مُستحيلٌ، إنَّما يُقدَّرُ في أيِّ شيءٍ تُقدِّرُه مِنَ العَذابِ، وهذا مِنْ بَلاغةِ القُرآنِ أَنْ يَجعلَ الأَمرَ مَفتوحًا لِيُقدِّرَه الإنسانُ كُلَّ تَقديرٍ.

<<  <   >  >>