قال اللهُ تعالى:{وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ} أَكَّدَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ هذا الكِتابَ أو عِزَّةَ هذا الكتابِ بمُؤكِّدَينِ: إِنَّ واللَّامِ. وموضعُ الفائدَةِ في الواقعِ ليس "كتابُ" فقطْ، بَلِ الفائدَةُ قَولُه:{عَزِيزٌ} هذا هو المُهِمُّ، أَمَّا كتابُ كُلِّ شيءٍ كتابُ كُلِّ ما يُكْتبُ فهو كِتابٌ، لقد قالَت مَلِكةُ سَبَأٍ: {إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (٢٩) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ} [النمل: ٢٩ - ٣٠]، لَكنَّ مَوضعَ الفائدَةِ قولُهُ:{عَزِيزٌ}.
{وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ} الضَّميرُ في "إنَّه" يَعودُ إِلَى الذِّكرِ وَهو القُرآنُ، وكتابٌ هُنا بمعنى مَكتوبٍ، وهو مَكتوبٌ في المَصاحفِ في اللَّوحِ المَحفوظِ، في الصُّحُفِ الَّتي بِأَيْدي الملائِكةِ.
إِذَن هو كتابٌ في ثَلاثِ مَواضعَ: في اللَّوْحِ المَحفوظِ، والثَّاني: في الصُّحُفِ الَّتي بأَيْدي المَلائكةِ، والثَّالثُ: في الصحُفِ الَّتي بأَيْدينا.
يَقولُ المفسِّرُ رَحِمَهُ اللهُ: [{عَزِيزٌ} مَنيعٌ] ولا شكَّ أنَّ مَنيع من مَعاني عَزيزٍ، ولكنْ هيَ أَعمُّ ممَّا قال المفسِّر:"عَزيزٌ" بمعنى "مَنيعٍ"، أي: يَمتنعُ أَنْ يَنالَه أَحَدٌ بِسوءٍ إِلَّا فَضَحَه اللهُ.
الثَّاني: عَزيزٌ بمعنى غالِبٍ، فَالقرآنُ لا شكَّ أَنَّه غالبٌ على غَيرِه؛ لِقَولِه تعالى:{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ}[الفتح: ٢٨]، فهوَ غالبٌ لكُلِّ شَيءٍ.