للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَا مِنْ خَلْفِهِ} [فصلت: ٤٢]، وَاقرَؤوا إِنْ شِئتُم قولَه تَعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا} [الأنعام: ١١٥] صِدقًا باعتبارِ الإِخبارِ، وعَدلًا بِاعتِبارِ الأحكامِ.

قَولُه تَعالى: {تَنْزِيلٌ} خبرُ مُبتدأٍ مَحذوفٍ، والتَّقديرُ: هوَ {تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}، ولَعلَّ هذا التَّقديرَ أَوْلى؛ لِأنَّه يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الجُملةَ استِئنافيَّة لِبَيانِ عَظمةِ هَذا القُرآنِ، ويَجوزُ أَنْ تَكونَ خَبرًا ثانيًا أو ثالثًا لقَولِه: {وَإِنَّهُ}، فقَولُه: {عَزِيزٌ} صِفةٌ لكتابٍ، وقَولُه تَعالى: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ} يَجوزُ أَنْ تَكونَ صِفةً لكتابٍ أيضا، ويَجوزُ أَنْ تَكونَ خبرًا ثانيًا لـ"إنَّ"، وعلى هَذا فتَكونُ {تَنْزِيلٌ} خبرًا ثالثًا.

قَولُه تَعالى: {تَنْزِيلٌ} أي: مُنزَّلٌ من حَكيمٍ حَميدٍ، فإِذا فَسَّرنا {تَنْزِيلٌ} بأنَّه مُنزَّلٌ صارَ المصدرُ بِمَعْنى اسمِ المَفعولِ، والمَصدرُ يَأتي بمَعْنى اسمِ المَفعولِ، وبمَعْنى اسمِ الفاعلِ، والَّذي يُعيِّنُ ذلكَ هُو السِّياقُ.

قَولُه تَعالى: {تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} حَكيمٍ أي: ذي حِكمةٍ وذي حُكمٍ، فالحُكمُ لله، والحِكمةُ في أَحْكامِه -عَزَّ وَجَلَّ- فالرَّبُّ -عَزَّ وَجَلَّ- مُتَّصِفٌ بالحُكمِ الَّذي لا مُعقِّبَ لَه، وبِالحُكمِ النَّافذِ الَّذي لا مانعَ لَه، وفي الدُّعاءِ المَأثورِ: "لا مانِعَ لمِا أَعْطَيتَ ولا مُعطيَ لمِا مَنعْتَ" (١)، وأيضًا هو مُتَّصِفٌ بالحِكمةِ، فكُلُّ أَحكامِه حِكمةٌ، فإنْ نَظرتَ إلى الأحكامِ القَدَرَيَّةِ، وجدْتَها في غايةِ الحِكمةِ، وإنْ نَظرتَ في الأحكامِ الشَّرعيَّةِ وَجدتَها كَذلكَ في غايَةِ الحِكمةِ.

فهو - عَزَّ وَجَلَّ - حاكِمٌ وذُو حكمَةٍ، وكَمْ مِن حاكمٍ لا حِكمةَ لَه، وكَمْ من حَكيمٍ لا حُكْمَ لَه:


(١) أخرجه البخاري: كتاب الأذان، باب الذكر بعد الصلاة، رقم (٨٤٤)، وأخرجه مسلم: كتاب المساجد، باب استحباب الذكر بعد الصلاة، رقم (٥٩٣)، من حديث المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>