للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإنسانِ، ثُمَّ إنَّ فيها تَضادًّا مَكروهًا، وحَمدُ هذا غَيرُ مُستقيمٍ، ثُمَّ إنَّ فيهَا أيضًا مُخالَفةً لسُنَّةِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ الرَّسولُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَقولُ: "الحَمدُ للهِ عَلى كلِّ حالٍ"، ولَا يَذكرُ المَكروهَ، ولَا يَشعُرُ بأنَّه مُتأزِّمٌ منه.

فأَنت إذا أُصِبتَ بسَرَّاءَ فقُلِ: الحَمدُ للهِ الَّذي بِنِعمتِهِ تَتِمُّ الصَّالحاتُ، وَإنْ شِئتَ فعَيِّنْ، مثلًا: الحمدُ للهِ الَّذي رَزقَني وَلدًا، الحمدُ للهِ الَّذي رزَقَني نَجاحًا، الحمدُ للهِ الَّذي رَزَقني مَالًا ومَا أَشبهَ ذَلك؛ لأنَّ هذا خَيرٌ والثَّناءُ عَليه وَاضحٌ، لكنَّ الأمورَ المكروهَةَ لا تَقُلِ: الحمدُ للهِ الَّذي أَمْرَضَني، الحمدُ للهِ الَّذي أَصابَني بمُصيبَةٍ؛ بِفَقْدِ أَخي أو أَبي أو عَمِّي، وإنَّما تَقولُ: الحمدُ للهِ على كُلِّ حالٍ، وإنْ شِئتَ فَقُلِ: الحَمدُ للهِ على ما قَدَّرَ؛ لأنَّ هَذه بمَعْنى على كُلِّ حالٍ.

فإِنْ قال قائلٌ: ما توجيه قوله - صلى الله عليه وسلم -: "والشَّرُّ ليسَ إليهِ" (١).

فالجَوابُ: أنَّ اللهَ - عَزَّ وَجَلَّ - خالقُ كلِّ شَيءٍ ولهَذا جاءَ في الحَديثِ: "تُؤمِنُ بالقَدَرِ خيرِه وشَرِّه" (٢)، لكنْ لَا نَنسِبُ الشَّرَّ إلى اللهِ؛ لِأنَّ اللهَ لم يُقَدِّرْ هذا الشَّرَّ إلَّا لخَيرٍ، فالشَّرُّ إذن في مَفعولِه لا في فِعلِه، فمَثلًا إذا قَدَّر اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - على النَّاسِ مَرضًا، فالشَّرُّ في نَفْسِ المَرَضِ، لكنْ في كَونِ اللهِ قَدَّرَه ليس بشَرٍّ بل هو خَيرٌ؛ لأنَّه من أَكبرِ ما يَكونُ مِن مَصالِحِ الأَمراضِ؛ مثلًا تَكفيرُ السَّيِّئاتِ، ومنهَا أنَّ النَّاسَ يَرجِعونَ إلى اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ -: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: ٤١]، ومنها أنَّ الإِنسانَ يَعرفُ قَدْرَ نِعمةِ اللهِ عليهِ بالعافيةِ، فمَثلًا نحنُ


(١) أخرجه مسلم: كتاب صلاة المسافرين، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه، رقم (٧٧١)، من حديث علي - رضي الله عنه -.
(٢) أخرجه مسلم: كتاب الإيمان، باب بيان الإيمان والإِسلام، رقم (٨)، من حديث عمر - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>