عَرْضٌ لِلمُكَذِّبين أَنْ يُؤمِنوا فَإِنْ لَمْ يُؤمِنوا فَقَدْ تَعرَّضوا لِلعِقابِ، عَرَضَ أَنْ يُؤمِنوا بِقَولِه: {إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ} يعني: كأَنَّه يَقولُ: فَآمِنوا يَغفرْ لَكم، وهوَ قَولُه تَعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: ٣٨]، {وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ} يَعْني: إنْ لم يُؤمِنوا، ففيهِ تَرغيبٌ وتَرهيبٌ، التَّرغيبُ في قَولِه: {لَذُو مَغْفِرَةٍ} والتَّرهيبُ فِي قَولِه: {وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ}، والعِقابُ هو الانتِقامُ، والأَليمُ بمَعْنى المُؤلِمِ، ففَعيلٌ تَأتي بمَعْنى مُفْعِلٍ كثيرًا في اللُّغَةِ العربيَّةِ كَما قَال الشَّاعرُ (١):
أَمِنْ رَيْحانةِ الدَّاعي السَّميعُ ... يُؤرقُني وأَصْحابي هُجوعُ
السَّميعُ يَعني: المُسْمِعُ.
من فَوائِدِ الآيَةِ الكريمَةِ:
الْفَائِدَة الأُولَى: تَسليةُ الرَّسولِ - صلَّى اللهُ عَليه وعَلى آلِهِ وسلَّم -؛ لِأنَّه إذَا عَلِمَ أنَّه قد قيلَ للرُّسلِ مِن قَبلِه مِثلَما قيلَ له سَهُلَ عَليه الأمرُ.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أنَّ سُنَّةَ اللهِ تَعالَى وَاحدةٌ، فَالمُكذِّبونَ قَولُهم وَاحدٌ وفِعلُهم وَاحدٌ لِقَولِه: {إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ}.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: إِثْباتُ صِفةِ المَغفرةِ للهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وهيَ سَتْرُ الذَّنبِ والتَّجاوزُ عَنه.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: إِثباتُ شِدَّةِ عِقابِه؛ لقَولِه: {وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ}.
الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: إِثباتُ رَحمةِ اللهِ بِالعبادِ، حَيثُ يَعرِضُ عَلَيهم مُوجبَ التَّوبةِ حَتَّى لا يَتمادَوْا في مَعصيتِهم؛ لِقَولِه: {إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ}.
(١) البيت لعمرو بن معدي كرب، انظر: الأصمعيات (ص: ١٧٢)، الشعر والشعراء لابن قتيبة (١/ ٣٦٠).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute