للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: أنَّ هَذا القُرآنَ مِثلانِ، فَإذا ذُكِرَ فِيه جانبُ التَّرغيبِ ذُكِرَ مَعه جانبُ التَّرهيبِ؛ لِئلَّا تَطمعَ النَّفسُ وتَغلوَ فِي الطَّمعِ، فَتَأمنَ مِنْ مَكرِ اللهِ، فَيَجمعُ اللهُ بَين هَذا وهَذا؛ لِئلَّا يَطْمعَ الإِنسانُ فِي الفَضلِ فَيَأمنَ مِنْ مَكْرِ اللهِ؛ ولِئلَّا يَخافَ فَيَقْنطَ مِن رَحمةِ اللهِ، وعَلَى هَذا فيَكونُ سَيرُه إِلَى اللهِ تَعالى بَينَ الخوفِ والرَّجاءِ؛ ولهِذا قَالَ الإمامُ أَحمدُ - رَحِمَهُ اللهُ -: "يَنبَغي لِلسَّائرِ إِلى اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - أنْ يَكونَ خَوفُه ورَجاؤُه واحدًا فأَيُّهما غَلَبَ هَلَكَ صاحبُه" (١).

وقالَ بَعضُهم: "يَنْبَغي أَنْ يَكونَ الخَوفُ والرَّجاءُ لِلْإنسانِ كَجَناحَيِ الطَّيرِ إِنِ انْخفَضَ أَحدُهما سَقَطَ الطَّيرُ"، فَيكونُ الرَّجاءُ والخوفُ واحدًا مُتَساويًا تَرجو وتَخافُ، ولهِذا قَالَ: {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا} [السجدة: ١٦].

وفَسَّر بَعضُ أَهْل العِلمِ فَقالَ: يَنبَغي لِلإنسانِ إِذا عَمِلَ الحَسناتِ أَنْ يَكونَ جانِبُ الرَّجاءِ في حَقِّه أَرجحَ؛ لِأنَّ هَذا مِن إِحْسانِ الظَّنِّ باللهِ، ووَجهُه أَنَّ اللهَ لمَّا وفَّقكَ لِلعملِ فإِنَّه قَد وَعَدكَ بِالثَّوابِ، ولمَّا وَفَّقكَ لِلدُّعاءِ فَقدْ وَعدَكَ بِالإجابَةِ، فَعَليه إِذَا فَعلتَ الخيرَ فَغَلِّبْ جانبَ الرَّجاءِ، وإِنْ فَعلتَ الشَّرَّ أو هَمَمْتَ به - فَغَلِّبْ جانبَ الخَوفِ؛ لِيردَعَكَ الخَوفُ عنِ التَّمادي في الشَّرِّ أو عَنْ مُواقعةِ الشَّرِّ.

وبَعضُهم سَلَكَ مَنحًى آخَرَ فَقالَ: في حالِ الصِّحَّةِ يَنبَغي أنْ يَغلُبَ جانبُ الخَوفِ؛ لأنَّ الإِنسانَ الصَّحيحَ الَّذي قَدْ أَعطاه اللهُ صِحَّةً في بَدَنِه وعَقْلِه رُبَّما يَتَمادى فِي الشَّرِّ ولا يُبالي، وإِذا كُنتَ في المَرَضِ فَغَلِّبْ جانبَ الرَّجاءِ؛ لأنَّ النَّبيَّ - صلَّى اللهُ عليه وعَلَى آلِهِ وسلَّم - قَالَ: "لا يَموتنَّ أَحدُكم إِلَّا وهو يُحْسِنُ الظَّنَّ بِرَبِّه" (٢)؛ لأنَّ اللهَ


(١) انظر: الاختيارات العلمية لابن تيمية [المطبوع مع الفتاوى الكبرى] (٥/ ٣٥٩).
(٢) أخرجه مسلم: كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب الأمر بحسن الظن بالله تعالى عند الموت، رقم (٢٨٧٧)، من حديث جابر - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>