للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الإِكْرامُ وُجِدَ لِوُجودِ المَجيءِ، وتَقولُ: لَو جاءَ زَيدٌ لَأَكَرمْتُه، هُنا امتنَعَ الإِكرامُ لامتِناعِ الوُجودِ، وتَقولُ: لَولا زَيدٌ لَهَلكتُ أو لَفَعلتُ كَذا وكَذا، فَلَولا هُنا امتِناعُ لِوُجودِ، أمَّا في الآيةِ الكريمَةِ فَلَولا لَيست مِن هَذا ولا مِنْ هَذا، لَولا هُنا انتَقلَت عَن مَعْنى الشَّرطيَّةِ إِلَى مَعْنى التَّحضيرِ.

فإِنْ قَالَ قائلٌ: لَولا في قَولِه تَعالَى في سورَةِ يوسفَ: {لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} [يوسف: ٢٤] هَلْ هي شَرطيَّةٌ؟

فالجَوابُ: نَعَمْ، شَرطيَّةٌ لَكِن مَحذوفةُ الجَوابِ، يَقولُ تَعالى: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} يَعْني: لِفِعْلِ.

فإنْ قيل: هَلِ الهَمُّ حَصَلَ مِنه؟

فَالجَوابُ: لَا، فَلَولا بُرهانُ رَبِّه لَفَعَلَ، يَعْني: لَأَجابَها إِلَى ما دَعت، ولَيس المراد بـ {لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ}: لمَّا هَمَّ؛ لأنَّه لَو كانَ كَذلكَ لَتَناقَضَ الكلامُ، بَلْ هو هَمَّ بِها لَكن لَولا أنَّه رَأى بُرهانَ رَبِّه لأَجابَها إِلى مَا دَعت.

يَقولُ المفسِّرُ - رَحِمَهُ الله -: [{أ} قُرآنٌ {أَعْجَمِيٌّ وَ} نَبيٌّ {عَرَبِيٌّ}] استِفهامُ إِنكارٍ مِنهم، يَعني: لَوْ كانَ القُرآنُ بِلُغةِ العَجمِ لَقالوا: لَولا فُصِّلتْ آيَاتُه، وبُيِّنتْ باللُّغةِ العربيَّةِ، ثُمَّ لَقالوا: أَيضًا أَأَعْجميٌّ وعَربيٌّ، يَعني: لا يُمكنُ أَنْ يَكونَ القُرآنُ بِلُغةِ العَجمِ ونَزلَ عَلى نَبيٍّ عَربيٍّ، وهَذا الَّذي قَالوه استِفهامٌ حَقيقيٌّ، بمَعْنى أَنَّ قَولَهم حَقٌّ لا يُمكنُ أَنْ يَنزلَ قُرآنٌ أَعجميٌّ عَلَى نَبيٍّ عَربيٍّ، وقَد نَصَّ اللهُ عَلى ذَلكَ في قَولِه: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [إبراهيم: ٤]، فكَلامُهم هَذا حقٌّ ونَحنُ نَقبلُهُ.

<<  <   >  >>