للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالجَوابُ: خَتمَ عليها بَعد الفَهمِ؛ لِأنَّ الخَتمَ مَعناه قَدْ يَكونُ خَتْمٌ يَمنَعُ الفَهمَ، وقَدْ يَكونُ خَتْمٌ يَمنعُ الِانقيادَ كَقَولِه تَعالى: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين: ١٤].

ونَحنُ في الحَقيقةِ لا نَتهاونُ في تَكفيرِ مَن كَفَّره اللهُ، ولا نُبالي أَنْ نُكفِّرَ مَن كَفَّره اللهُ، لكنَّنا لا نَتجاسَرُ أَنْ نُكفِّرَ مَن لَمْ يُكفِّرْه اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ -، فَالحُكمُ بِالتَّكفيرِ وَعَدمِ التَّكفيرِ إِلَى اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - لَيس إِلينا وَلا لِعَواطِفِنا، وإِلَّا لَوْ كانَ إِلَينا أَوْ إِلَى عَواطِفِنا لَكُنَّا نُكفِّرُ مَن كانَ فاسقًا، بَلْ قَد نُكفِّرُ مَن كان تاركًا لِلأَوْلَى؛ لأنَّ الإنسانَ لَا شكَّ أَنَّ مَعَه غَيرةً يَبغُضُ بِها مَن خالفَ الشَّرعَ، لكن كَونُنا نَحكُم عليه بالكُفرِ أَو بِعَدمِ الكُفرِ لَيسَ إِلَينا، بَل هو إِلى اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ -، والخَلقُ عَبيدُ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - لَيسوا عَبيدَنا حتَّى نَحكُمَ عَليهم بِما نَرى، بل نَحكُمُ عَليهم بِمُقتضى كَلامِ اللهِ ورَسولِهِ.

فإِذا دارَ الأَمرُ بَين أنْ نَقولَ: هَذا كافرٌ وهو يَنتسبُ إِلى الإِسلامِ، وبَين أنْ نَقولَ: لَيس بِكافرٍ، فَالأحوطُ أَنْ نَقولَ: لَيس بِكافرٍ لأنَّنا بِهذا سالمِونَ، لَكنْ لَو كَفَّرناه ثُمَّ بِناءً عَلى تَكفيرِه نَستَبيحُ دَمَه ومالَه ولا نُصَلِّي عليه وَلا نَدعو لَه بِالرَّحمةِ، فَالمَسألةُ لَيست بِسَهلةٍ، والمَسألةُ صَعبةٌ جِدًّا.

ولهِذا خَطأُ مَن يَتسرَّعون بِالتَّكفيرِ أَشدُّ مِن تَهاوُنِ مَن لا يُكفِّرونَ؛ لِما يَترتَّبُ عَلَى التَّكفيرِ مِن المَصائبِ وَالبَلاءِ.

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّ التَّناقُضَ بَين الرَّسولِ وَالوَحيِ مُستَحيلٌ، والدَّليلُ قَولُه تَعالى: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ} [فصلت: ٤٤] وَهَذا مُستحيلٌ أَنْ يَتناقَضَ الوحيُ ومَنْ أُوحِيَ إِليه.

<<  <   >  >>