الْفَائِدَةُ الثَّامِنَةُ: رِفعةُ مَنزلةِ الرَّسولِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عِندَ اللهِ تُؤخذُ مِن قَولِه: {مِنْ رَبِّكَ} فَأضافَ الرُّبوبيَّةَ إِليه، وَهذه رُبوبيَّةٌ خاصَّةٌ، وهي تُفيدُ عُلُوَّ مَنزلةِ المَربوبِ عِندَ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وقَدِ اجْتمعتِ الرُّبوبِيَّتانِ العامَّةُ والخاصَّةُ في قَولِ السَّحَرةِ مِن آلِ فِرعونَ: {قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: ١٢١] {رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ} [الأعراف: ١٢٢] الأُولى: رَبُّ العالمَينَ عامَّةٌ، والثَّانيةُ: خَاصَّةٌ.
الْفَائِدَةُ التَّاسِعَةُ: أنَّ اللهَ تَعالى يُكَنِّي عَنِ الشَّرِّ بِبِناءِ الفِعلِ لِما لَمْ يُسمَّ فاعِلُه لِقولِه: {لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} ولم يَقُلْ: لَقَضى بَينهُم، وهَذا هو المُطَّردُ في القُرآنِ وَالغالبُ، وَانْظُرْ إِلَى أَدَبِ الجِنِّ حيثُ قالوا: {وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا} [الجن: ١٠] أَدَبٌ عالٍ، فَقالوا في الشَّرِّ: {أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ} وَلَمْ يُضيفوه إِلَى اللهِ، وفي الرُّشدِ قالوا: {أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا} ولم يَقولوا: أَمْ أُريدَ بِهم رَشدًا.
وهَذا مِنْ أَدبِ الجنِّ، والجنُّ أَحيانًا يَكونونَ آدَبَ مِن الإنسِ: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا} [الأحقاف: ٢٩]، أَوصى بَعضُهم بَعضًا أَنْ يُنصِتوا حتَّى يَستمِعوا استِماعًا تامًّا، {فَلَمَّا قُضِيَ} أيضًا لَمْ يَتوقَّفوا أَوْ يَكسلُوا، {وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (٢٩)} [الأحقاف: ٢٩] بادَروا إِلى قَومِهم مُنذِرينَ: {قَالُوا يَاقَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا. . .} إِلَخْ.
الْفَائِدَةُ الْعَاشِرَةُ: أَنَّ المُكذِّبينَ بكِتابِ مُوسَى في شكٍّ مُريبٍ مُوقِعٌ في الرَّيبِ، وهو الشَّكُّ مَع القَلقِ يَعْني: الفَرقُ بَينَ الرَّيبِ والشَّكِّ قَريبٌ؛ ولهِذا يُفسِّرُ بَعضُ العُلماءِ الرَّيبَ بِالشَّكِّ، ولكنَّ شَيخَ الإِسلامِ - رَحِمَهُ اللهُ - قال: "هَذا تَفسيرٌ قَريبٌ" (١).
(١) مجموع الفتاوى (١٣/ ٣٤٢).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute