للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

غَيري تَرَكْتُه وشِرْكَه" (١)، ومَنْ أَخلصَ لكن عَلَى غَيرِ شَريعةِ اللهِ فَعَمَلُه بِدعةٌ مَردودٌ؛ لِقولِ النَّبيِّ - صلَّى اللهُ عَليه وعلى آلِه وسلَّم -: "مَنْ عَمِلَ عملًا لَيس عَليه أَمرُنا فَهو رَدٌّ" (٢). وَفي رِوايةٍ: "مَنْ أَحدثَ في أَمرِنا هَذا ما لَيس مِنه فَهو رَدٌّ" (٣).

قَولُه: {فَلِنَفْسِهِ} يَعْني: فَالمَصلحةُ لِنفسِه، فَإنَّ ذَلك لا يَنفعُ اللهَ شيئًا، ولِهَذا قال اللهُ تَعالى في الحَديثِ القُدسيِّ الَّذي رَواه أَبو ذَرٍّ - رضي الله عنه - أنَّ اللهَ قال: "يا عِبادي لَو أَنَّ أَوَّلَكم وآخِرَكم وإِنْسَكم وجِنَّكم كانوا على أَتْقى قَلبِ رَجلٍ واحدٍ مِنكم ما زاد ذَلِكَ في مُلْكي شيئًا" (٤). لمِاذا؛ لِأنَّ اللهَ تَعالى لا يَنتفعُ بِطاعةِ الطَّائعينَ، وَلا يَتضرَّرُ بِمعصيةِ العاصينَ، فَالعملُ لِنفسِك.

يَقولُ المفسِّرُ - رَحِمَهُ اللهُ -: [{وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا} أي: فَضرَرُ إِساءتِه عَلى نَفسِه]، وَلَوْ قُلنا: التَّقديرُ فَإِساءَتُه عليها لَكفى، مَنْ أَساءَ، أي: عَمِلَ عَملًا غَيرَ صالِحٍ، وَالَّذي يَدُلُّنَا عَلى أَنَّ المُرادَ بِالإِساءَةِ هُنا العَملُ غَيرُ الصَّالحِ أَنَّهُ قُوبِلَ بِما سَبَقَ بِمَن عَمِلَ عَملًا صالحًا، وهَذا أَحدُ الطُّرقِ الَّتي يُعرفُ بِها تَفسيرُ القُرآنِ الكَريمِ بَلْ وغَيرُهُ مِن الكَلامِ، إِذا ذُكِرَ الشَّيءُ ثُمَّ ذُكِرَ ما بَعدَه عَلى وَجهِ المُقابَلةِ فيُفسَّرُ ما بَعدَه عَلى ضِدِّ ما قَبله، وَمِن ذَلكَ قَولُه تَعالى: {فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا} [النساء: ٧١] لَو أَنَّك


(١) أخرجه مسلم: كتاب الزهد، باب من أشرك في عمله غير الله، رقم (٢٩٨٥)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(٢) أخرجه مسلم: كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة، ورد محدثات الأمور، رقم (١٧١٨)، من حديث عائشة - رضي الله عنها -.
(٣) أخرجه البخاري: كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور، رقم (٢٦٩٧)، ومسلم: كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة رقم (١٧١٨)، من حديث عائشة - رضي الله عنها -.
(٤) أخرجه مسلم: كتاب البر والصلة، باب تحريم الظلم، رقم (٢٥٧٧)، من حديث أبي ذر الغفاري - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>