للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تأمَّلتَ ما مَعنى {ثُبَاتٍ} هل مَعناها انفِروا ثَابِتينَ على الجِهادِ؟ لا، بَلْ يُفسِّرُها ما بَعْدَها: {أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا} فَيكونُ مَعْنى ثُباتٍ أي: فُرادَى: {أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا}.

قال اللهُ تَعالَى: {وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا}، إذن الإِساءَةُ تَكونُ إِمَّا بِالإشراكِ بِاللهِ كالرِّياءِ مثلًا، وإمَّا بِالبدعةِ كَبِدَعِ الصُّوفيَّةِ وغَيْرِهم مِن أَصْحابِ الطُّرُقِ الَّذين هم مُخلصونَ إِلى اللهِ ويَودُّونَ التَّقرُّبَ إِلَى اللهِ لكن بغيرِ ما شَرَعَ اللهُ، فَكانوا ضالِّين كالنَّصارى تمامًا.

يَقولُ المفسِّرُ - رَحِمَهُ اللهُ -: [{وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} أَيْ: بذي ظُلمٍ] {وَمَا رَبُّكَ} هذه كقَولِه فيما سَبَق: {سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ} [فصلت: ٤٥].

و{وَمَا} هُنا حِجازيَّةٌ، فَكُلُّ ما في القُرآنِ حِجازِيٌّ؛ لِأنَّهُ بِلُغةِ قُريشٍ، وعلى هَذا فمتى أَتَتكَ {مَا} فَهي حِجازيَّةٌ، قال الله تَعالَى: {مَا هَذَا بَشَرًا} [يوسف: ٣١] وَلَو كانتْ تَميميَّةً لقالَ: ما هَذا بَشَرٌ، لكن قال: {مَا هَذَا بَشَرًا}.

إذن: كُلَّما أَتَتْكَ {مَا} الَّتي تَكونُ دائرَةً بَينَ الحِجازيَّةِ والتَّميميَّةِ فَاجعَلْها حِجازيَّةً، فهُنا نَقولُ: {مَا} حِجازيَّةٌ و (رَبُّ) اسْمُها وَ {بِظَلَّامٍ} خَبَرُها لكنَّه جُرَّ بِحَرفِ الجَرِّ الزَّائدِ.

وقَولُه: {وَمَا رَبُّكَ} هَلِ الخطابُ لِلرَّسولِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَليس عَامًّا، فسياقُ الآيةِ يَدُلُّ على أَنَّه خاصٌّ بِالرَّسولِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، ولكن لِيعلمَ أَنَّ ما وُجِّهَ الخِطابُ فيه إلى رَسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَإِنَّهُ لَا يَعْني: أَنَّ الحُكمَ خَاصٌّ بِه، بَلْ هو لَه ولِلْأُمَّةِ؛ ولهِذا نَقولُ: الخطابُ المُوجَّهُ إِلَى الرَّسولِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَنقسمُ إِلَى ثلاثةِ أَقسامٍ:

الأوَّلُ: مَا دَلَّ الدَّليلُ على أَنَّه خَاصٌّ بِهِ كَقَولِه: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشرح: ١] هَذا خاصٌّ بِالرَّسولِ.

<<  <   >  >>