للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الَّذي يَنتفعُ بِهِ الميِّتُ مِنْ وَلَدِه لا مانعَ مِن أَنْ يَنتفعَ به مِن غَيرِه، ورُبَّما يُستدلُّ لِذلكَ بِحديثِ ابنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - سَمِعَ رَجلًا يَقولُ: لَبَّيكَ عَنْ شُبرُمَةَ، قال: "مَنْ شُبْرُمَةُ؟ " قال: أَخٌ لِي، أو قَريبٌ لِي (١)، فقال: أَخٌ أَو قَريبٌ وَهو مُحْرِمٌ عنه، قالوا: فَهذا يَدُلُّ على أنَّه يَجوزُ للإنسانِ أَنْ يَنوبَ عن غَيرِه فيُقالُ: هَذه نِيابةٌ عَن الغيرِ، والحجُّ أَيضًا يَسلَمُ له.

ولكنَّ الَّذي يَظهرُ لي أنَّه لا فَرْقَ بين الولَدِ وغَيرِه وبَين الحجِّ وغَيرِه، لكنَّ الَّذي نَنتقِدُه إِسرافُ النَّاسِ الآنَ بالأعمالِ لِلأمواتِ تَجِدُه يَخْتُمُ القُرآنَ في رَمضانَ عِدَّةَ مَرَّاتٍ ويَقولُ: المرَّةُ الأُولَى لِأُمِّي والثَّانيَةُ لِأَبَوَيَّ والثَّالثةُ لِجَدَّتي وَالرَّابعةُ لِجَدِّي والخامسةُ لِأخي، وَالسَّادسةُ لِأُختي وَالسَّابعةُ لِعَمِّي وَالثَّامنةُ لعَمَّتي، ويَمضي رَمضانُ ولَيس لَه ثَوابٌ كُلُّه أَعطاه لِلنَّاسِ، هَذا غَلطٌ وإِفراطٌ ولَيس مِن هَدي السَّلفِ الصَّالحِ.

كَذلكَ أَيضًا بَعضُ النَّاسِ يُسرفُ ويُخالفُ السُّنَّةَ فِي إِسرافِه تَجدُه يَذهبُ يَعتمرُ أَوَّلَ عُمرةٍ لَه، وَفي نَفس الوقتِ وَهو في مَكَّةَ ثَاني عُمرةٍ لِأُمِّه، وثَالثُ عُمْرةٍ لِأبيه كُلَّ يومٍ عُمْرةٌ، وَإِذا قَدَّرنا أَنَّه بَقِي عَشَرةُ أَيَّامٍ ولَهُ عَشَرَةُ أَقاربَ عَشْرَ عُمْراتٍ، هَذا غَلَطٌ ولَيس مِن هَدي السَّلفِ، والشَّرعُ لَيس حَسَبَ الذَّوقِ أو مَيلِ النَّفسِ أَوِ الهَوى، بل الشَّرْعُ مُحدَّدٌ، فهَلْ وَرَدَ عَنِ السَّلَفِ أَنَّهمْ يُكرِّرونَ العُمرةَ لا لأنفسهم ولا لِغيرهِم، لَمْ يَرِدْ إِطْلاقًا، فَأصلُ تَكرارِ العُمرةِ في سَفَرٍ واحدٍ غَيرُ مَشروعٍ؛ ولِهَذا قال عَطاءُ بنُ أَبي رَباحٍ وهو عَالمُ مَكَّة في زَمنِه: لا أَدْري هَؤلاءِ الَّذين يَخرُجونَ إِلى التَّنْعيمِ أَيَأْثمونَ أَمْ يَسلمونَ؟


(١) أخرجه أبو داود: كتاب المناسك، باب الرجل يحج عن غيره، رقم (١٨١١)، وابن ماجه: كتاب المناسك، باب الحج عن الميت، رقم (٢٩٠٣)، من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -.

<<  <   >  >>