للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ووَجْهُ الفَرقِ بَينَ هَذه وَالَّتي قَبْلَها أَنَّ الَّتي قَبلَها ابْتدَأَ النِّيَّةَ مِن أَوَّل الفِعلِ، فَهو يَفعلُ ويَتحرَّكُ ويَتكلَّمُ فَيَشعُرُ أَنَّه قائمٌ به عَن الغيرِ، أَمَّا هَذا فَقدْ صلَّى وَانتهى مِنْ صَلاتِه على أَنَّها لَهُ فَثَبَتَ الأَجْرُ لَه، وَإِذا ثَبتَ الأَجرُ لَه فَليسَ من حقِّه أَنْ يَتصرَّفَ في الثَّوابِ هُو يَتصرَّفُ فِي العملِ، أَمَّا الثَّوابُ فَلا، فَيَقولُ هَؤلاءِ: إِنَّه إِذا أَهدى العَملَ بَعْدَ فِعلِه لا يَصِلُ إِلَى المُهدَى إِلَيه؛ لِأنَّ العملَ ثَبَتَ لِنفسِه وَانتهى العمَلُ وَالنِّيَّةُ لِنفسِه، وَإِذا أَهداه لِغيرِه فَقدْ تَصرَّف في الثَّوابِ والتَّصرُّفِ في الثَّوابِ لَيس إِليه، وإنَّما هو إِلى اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ -، ولَيس هَذا أَمْرًا ماليًّا تَقولُ: واللهِ أَبي أَعطَى فُلانًا عَشَرةَ دراهمَ أو مِئةَ دِرهمٍ، هَذا ثَوابٌ عِندَ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وكُتبَ لَكَ وانتهى الأَمرُ.

وهَذا التَّفريقُ تَفريقٌ جَيِّد ولَه مَعنًى لَطيفٌ، ولا شَكَّ أنَّه معنًى جيِّدٌ التَّفْريقُ بَين أَنْ تَعملَ العَملَ من أَوَّلِه لصاحبِك، وبَين أَنْ تَعمَلَه لِنفسِك، ثُمَّ بَعدَ ذَلكَ تُهدي ثَوابَه لِصاحبِك، فَهُنا العملُ كُتِبَ لَكَ والثَّوابُ كُتِبَ لَكَ، فَلَا يُمكنُكَ أنْ تَتصرَّفَ فيه التَّصرُّفَ في الثَّوابِ للهِ - عَزَّ وَجَلَّ - واللهُ أَعلمُ.

إِذنْ قَولُه تعالى: {فَلِنَفْسِهِ} اسْتدلَّ بِها بَعضُ العُلماءِ على أَنَّ العَمَلَ الصَّالحَ لا يَتعدَّى الغيرَ؛ أَيْ: لا يَتعدَّى فَاعلَه ونَحنُ نَقولُ: ما جاءت به السُّنَّةُ فَهو مُخصَّصٌ لِهَذا، والسُّنَّةُ تُفسِّرُ القُرآنَ وتُبَيِّنُه، ولكن هل يُقاسُ عَليهِ؟ هَذا مَحلُّ نَظرٍ، وعِندي أنَّهُ لا بَأسَ أَنْ يُقاسَ عَليهِ؛ لِأنَّ الَّذي وَرَدَ إِنَّما هو قَضايا أَعيانٍ، فَإذا كَانتْ قَضايا أَعيانٍ، فَرُبَّما نَقيسُ على هَذه العَينِ ما شابَهَها، لكنَّ الَّذي يُنكَرُ هو الإِسرافُ وَالإفراطُ.

الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: أَنَّ مَن أَساءَ فَعَلى نَفسِه أَساءَ لا يَضُرُّ اللهَ شيئًا.

ولكن لَو قال قائلٌ: أَليس النَّبيُّ - صلَّى اللهُ عليه وعلى آله وسلَّم - أَخبَرَ بأنَّ مَن

<<  <   >  >>