للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سَنَّ في الإِسلامِ سُنَّةً سَيِّئةً فَعليهِ وزرُهَا ووِزرُ مَنْ عَمِلَ بِها إلى يَومِ القيامةِ (١)، إذن هَذا الإنسانُ صارتْ إِساءَةُ غَيرِه عليهِ وَاللهُ يَقولُ: {وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا} على نَفسِه فَقَطْ؟

فيُقالُ: إِنَّ كَونَه سَنَّ هَذه السَّيِّئَةَ هو عَمَلُه الَّذي تَبِعَه النَّاسُ عَليه، ولَولا أَنَّه فَعَلَه ما فَعَلَه النَّاسُ، فَالنَّاسُ إِنَّما فَعلوا اتِّباعًا لَه فَيكونُ هَذا في الحَقيقَةِ منْ فِعلِه؛ لِأنَّه هو الَّذي سَنَّ هَذه السُّنَّةَ السَّيِّئةَ؛ ولِهذا ما مِنْ إِنسانٍ يَقتُلُ نفسًا عَمدًا بِغيرِ حَقٍّ إلَّا كان على ابْنِ آدَمَ الأَوَّلِ كِفلٌ مِنها، يَعني: قابيلَ حَيث قَتَلَ هابيلَ حَسَدًا بِدونِ إِساءةٍ إِليه، قَرَّبا قُربانًا فتَقَبَّل اللهُ مِن هابيلَ ولَمْ يَتقبَّلْ من قابيلَ. فَقالَ لَهُ: {لِأَقْتُلَكَ} حَسَدًا؛ لِأنَّ اللهَ قَبِلَ مِن صاحبِه ولَمْ يَقبَلْ منه، فأَرشدَه صاحبُه إِلى ما يَكونُ بِه القَبولُ: {قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: ٢٧]، ومَعنى الآيةِ حَثُّه على أَنْ يَتَّقيَ، ولَيس المعنى أَنَّه كان مُتَّقيًا فَقُبِلَ، وإنَّمَا يَحثُّه على التَّقوى كأنَّه يَقولُ: اتَّقِ اللهَ يَتقبَّلْ منك. ثُم قال لَه: {لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} [المائدة: ٢٨].

ولَعَلَّ هَذا لَم يَكُنْ مَشروعًا في عَهدِهمْ أَنْ يُدافعَ الإنسانُ عَن نَفسِه؛ لأنَّ في شَريعتِنا مَنْ أَرادَ قَتلَك يَجِبُ عَليكَ أَنْ تُدافِعَه حتَّى لو قَتَلْتَه فهو في النَّارِ، ولو قَتَلَكَ فأنت شَهيدٌ، لكن لَعلَّه في عَهدِهم لَم يَكُنْ ذَلكَ مَشروعًا، وهو مِنَ الآثارِ الَّتي كَتبَها اللهُ على مَنْ قَبلَنا ونَجَّانا اللهُ منها.

الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: انتفاءُ الظُّلمِ عَن اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - لِقولِه: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}


(١) أخرجه مسلم: كتاب الزكاة، باب الحث على الصدقة، رقم (١٠١٧)، من حديث جرير بن عبد الله البجلي - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>