وهَذه مِن صِفاتِ النَّفيِ، وصِفاتُ اللهِ تعالى نَوعانِ: صِفاتُ إِثباتٍ، وصِفاتُ نَفيٍ، فصِفاتُ الإِثباتِ كَثيرَةٌ جدًّا وصِفاتُ النَّفيِ أَقلُّ، ولكن مَعَ ذَلكَ صِفاتُ النَّفيِ هي في الحقيقةِ صِفاتُ إِثباتٍ؛ لأنَّ المُرادَ بِالنَّفيِ إِثباتُ ضِدِّ ذَلكَ فَمثلًا:{وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ} المُرادُ إِثباتُ كَمالِ عَدلِه وأَنَّ عَدْلَه لا ظُلمَ فيه بِوَجهٍ مِنَ الوجوهِ.
إِذن خُذْ قاعدةً عَريضةً: لا يوجدُ النَّفيُ المحضُ فِي صِفاتِ اللهِ أَبدًا، كُلُّ نَفيٍ في صِفاتِ اللهِ فَهو إِثْباتٌ لِضدِّ النَّفيِ، فَكأنَّه يَقولُ - عَزَّ وَجَلَّ -: هو أَعدلُ الحاكمينَ وَلا ظُلمَ في حُكمهِ إِطلاقًا.
وقولُه تَعالَى:{وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا}[مريم: ٦٤] مِن صِفاتِ النَّفيِ لكن لِإثباتِ كَمالِ عِلمِه، وَأنَّه لِكمالِ عِلْمِه لا يَرِدُ عليه النِّسيانُ إِطلاقًا، وأَمَّا عِلمُنا نَحنُ فَيَرِدُ عليه النِّسيانُ، وَهو أيضًا حاصلٌ بعدَ جهلٍ سابقٍ يَقولُ اللهُ تَعالَى:{وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا}[النحل: ٧٨] فعِلمُنا في الواقعِ مَعيبٌ مِن وجوهٍ:
الأوَّلُ: أنَّه مَسبوقٌ بِجهلٍ.
الثَّاني: أنَّه مَلحوقٌ بِنِسيانٍ.
الثَّالثُ: أَنَّه لَيس شاملًا عامًّا.
ونَقولُ: هَذا النَّفيُ في صِفةِ الله لا يُرادُ به النَّفيَ المَحضَ، بَل هُو إِثباتٌ في الواقعِ، إِذ إِنَّ المُرادَ به إِثباتُ كَمالِ ضِدِّه؛ {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ} أي: أنَّه عَدلٌ لا ظُلمَ في عَدلِه إِطلاقًا.
الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ: إِثباتُ العدْلِ في أَعلى مَقاماتِه، حَيثُ قال:{لِلْعَبِيدِ}؛ أَيْ: لِعبيدِه، وهَذا أَبْلغُ لو قُلتُ لَك: أَنتَ لا تَظلِمُ عَبيدَك، فَهو أَبلغُ مِمَّا لَو قُلتُ: أَنت