لا تَظلِمُ النَّاسَ؛ لأنَّ عَدمَ ظُلمِك النَّاسَ؛ لِأنَّه لا سَيطرةَ لك عليهم لكن إِذا كُنت لا تَظلِمُ عَبيدَك كان هَذا أَبلغَ في إِثباتِ العدلِ، إِذا كُنتَ لا تَظلمُ مَن لكَ سُلطةٌ عليهِ، فلِئلَّا تَظلِمَ مَن لا سُلطةَ لَك عليه مِن بابِ أَوْلَى.
إِذَنْ فَقابِلْ:{وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} بقَولِ القائلِ: فُلانٌ لا يَظلِمُ النَّاسَ، أَيُّهما أَبلغُ؟ الأوَّلُ؛ لِأنَّه إِذا كانَ لا يَظلِمُ عَبيدَه مع أَنَّهم عَبيدُه يَفعلُ بِهمْ ما يشاءُ، فَلِئلَّا يَظلِمَ غَيرَهم، ولَكنَّ هَذا على سَبيلِ الفرضِ وإلَّا فَكلُّ مَن في السَّمَواتِ والأرضِ آتي الرَّحمنَ عبدًا.
الْفَائِدَةُ الثَّامِنَةُ: الرَّدُّ على الجبريَّة في قَولهِم: إِنَّ الظُّلمَ في حَقِّ اللهِ مُحالٌ، وانتفاءُ المُحالِ ليس مَدْحًا؛ لأنَّ المُحالَ لا يُمكنُ وُجودُه لِذاتِه ولو أَرادَه الإنسانُ لَم يُوجَدْ؛ لأنَّه مُحالٌ، لكنَّ انتفاءَ المُمكنِ إِذا كان الانتفاءُ مَدْحًا فهو مَدْحٌ.
وهُنا في قَولِه تَعالى:{وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ} تُفيدُ الآيَةُ أَنَّ الظُّلمَ في حقِّه مُمكنٌ، لكن لِكمالِ عَدلِه لا يُمكنُ، فالظُّلمُ ليس مُحالًا لِذاتِه في حَقِّ اللهِ، بل هو مُحالٌ لِكمالِ عَدْلِ اللهِ، وبِهذا يَتحقَّق المدحُ مَدحُ اللهِ تَعالَى بِانتفاءِ الظُّلمِ عنه، أَمَّا لو كان شيئًا مُحالًا لا يُمكنُ فالمُحالُ لا يُمدَحُ به.
فإِنْ قال قائلٌ: الأُمورُ الَّتي يُحدِّثُ بها الشَّخصُ نَفسَه غَيرَ الشَّكِّ - كالمَعاصي - إذا رَكَنَ إِليها ولَمْ يَعملْ بها هل تَدخلُ في قولِ الرَّسولِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ اللهَ تَجاوزَ عن أُمَّتي ما حَدَّثتْ به أَنْفُسَها ما لَم تَعْمَلْ أو تَتكلَّمْ"(١)؟
فَالجَوابُ: إِن كان فَكَّر فيها ولكن ما هَمَّ بها هَذا لا شَيءَ عليه، ولكنَّ السَّلامةَ
(١) أخرجه البخاري: كتاب الطلاق، باب الطلاق في الإغلاق والكره، رقم (٥٢٦٩)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.