للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أَسلمُ، ولِهذا نَقولُ: إِنَّ مَن أَرادَ المعصيةَ ولَمْ يَفعلْها له ثلاثُ حالاتٍ:

الحالُ الأُولَى: أَنْ يعجَزَ عنها ويَفْعلَ الأسبابَ الَّتي يُريدُ الوصولَ بها إليها ولكن يَعجَزُ كَرَجُلٍ سارقٍ هَمَّ بِالسَّرقةِ ووَضَعَ السُّلَّمَ على الجِدارِ لِيَصْعدَ منه، وبَينما هو في أَثناءِ الصُّعودِ إِذا بِرجُل يَمرُّ في الشَّارعِ فَنَزَل وَهَرَب، هذا يُكتَبُ له عَمَلُ السَّيِّئةِ، كأنَّه عَمِلَها تمامًا مَعَ أنَّه لم يَعملْها؛ لأنَّه أَرادَها وعَمِلَ لها لكن عَجَزَ.

والدَّليلُ على ذَلِكَ قَولُ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "إِذا التَقَى المُسلِمانِ بِسَيفَيهما فالقاتلُ وَالمقتولُ في النَّار"، قالوا: يا رَسولَ اللهِ، هَذا القاتلُ - يَعني: في النَّارِ - فما بَالُ المَقتولِ؟ قال: "لأنَّه كان حَريصًا على قَتْلِ صاحِبه" (١).

إِذنْ: مَن هَمَّ بالسيِّئةِ وعَمِلَ لها عَمَلها لكن عَجَزَ عن إِتمامِها كُتِبَ له وِزْرُها كاملًا.

الثَّانيةُ: مَنْ هَمَّ بها وتَمنَّاها ولَكنَّه عَجَزَ عَنها بِدونِ أَنْ يَعْمَلَ عَمَلَها، فَهذا عليه وِزرُ النِّيَّةِ، والدَّليلُ على هَذا: "أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَخبرَ عنْ رَجُلٍ آتاهُ اللهُ المالَ فَجَعَلَ يَتخبَّطُ فيه، فقالَ الفقيرُ: لو أَنَّ لي مِثلَ مالِ فُلانٍ لَعمِلْتُ فيه عَمَلَ فُلانٍ، قال: فَهو بِنِيَّتِه فَهُما في الوِزْرِ سواءٌ" (٢)، في الوِزْرِ الإِراديِّ لا العَمَليِّ؛ لِأنَّ هذا لَمْ يَعمَلْ.

الثَّالثةُ: أَنْ يَكونَ هَمَّ بِالسَّيِّئةِ وعَزَمَ عليها، ولكن تَذكَّر خَشْيَةَ اللهِ فتَرَكَها


(١) أخرجه البخاري: كتاب الإيمان، باب {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا}، رقم (٣١)، ومسلم: كتاب الفتن، باب إذا تواجه المسلمان بسيفيهما، رقم (٢٨٨٨)، من حديث أبي بكرة - رضي الله عنه -.
(٢) أخرجه الإمام أحمد (٤/ ٢٣٠)، والترمذي: كتاب الزهد، باب ما جاء مثل الدنيا مثل أربعة نفر، رقم (٢٣٢٥)، وابن ماجه: كتاب الزهد، باب النية، رقم (٤٢٢٨)، من حديث أبي كبشة الأنماري - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>