للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقَولُه: {إِلَّا بِعِلْمِهِ} بعِلْمهِ السَّابقِ؛ لِأنَّ عِلمَ اللهِ تَعالى مُحيطٌ بِكلِّ شَيءٍ أَزلًا وأَبَدًا، فَهو يَعلمُ ما تَخرجُ مِن ثَمَراتٍ مِن أَكمامِها إِلى يَومِ القِيامةِ، وَكَذلكَ ما تَحملُ مِن أُنثَى وَما تَضعُ.

ثُمَّ قال - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي} {وَيَوْمَ} ظَرفٌ والظَّرفُ يَحتاجُ إِلَى ما يَتعلَّقُ بِه؛ لِأنَّه مَفعولٌ فيه، وَإِذا كانَ مَفعولًا فيه فَلا بُدَّ مِن فِعلٍ يَكونُ عاملًا فيه، وَالعاملُ في هَذا مُقدَّرٌ، وَالتَّقديرُ: "وَاذْكُرْ يَومَ يُناديهم أَينَ شُركائِي. ." إلى آخرِه، ومِثْلُ هَذا التَّعبِيرِ مَوجودٌ في القُرآنِ كَثيرًا.

وإِنَّما أَمَرَ اللهُ تَعالَى نَبيَّهُ بِذِكرهِ تخويفًا لهِؤلاءِ المُكذِّبينَ، وتَسليةً لِرَسولِ اللهِ - صلَّى اللهُ عَليه وعَلى آلِهِ وسَلَّم -.

وقَولُه: {يُنَادِيهِمْ} أَيْ: يَدعوهمْ بِصوتٍ رَفيعٍ؛ لِأنَّ النِّداءَ يَكونُ بِصَوتٍ رَفيعٍ والمُناجاةُ تَكونُ بصوتٍ أَدنَى، وفاعلُ {يُنَادِيهِمْ} هو اللهُ بِدَليلِ قَولِهِ: {أَيْنَ شُرَكَائِي} يَعني: أَنَّ اللهَ تَعالى يُنادي هَؤلاءِ المُشرِكينَ يَقولُ: {أَيْنَ شُرَكَائِي}، وَهذا الِاستِفهامُ لِلتَّعجِيزِ وَالتَّوبيخِ أيضًا، فَهو جامعٌ بَينَ مَعنيَينِ: التَّعْجيزِ، وَالثَّاني التَّوبِيخُ. يَعني: أَينَ الَّذينَ أَشركتُم مَعي؟

يَقولُ المفسِّرُ - رَحِمَهُ اللهُ -: [{قَالُوا آذَنَّاكَ} أَعلَمناكَ الآنَ: {مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ}] آذَنَ بِمعنَى أَعلَمَ، ومنهُ قَولُه تَعالى: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: ٣] أَيْ: إِعلَامٌ مِنَ اللهِ ورَسولِه (فَآذَنَ) بِمعنَى أَعْلَمَ، ومِنه في الحَديثِ: أنَّ الرَّسولَ - صلَّى اللهُ عَليهِ وعَلَى آلِهِ وسلَّم - قَالَ لِلنِّساءِ اللَّاتي يَغسِلْنَ ابْنتَه: "إِذا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّني" (١). أي: أَعْلِمْنَني.


(١) أخرجه البخاري: كتاب الجنائز، باب ما يستحب أن يغسل وترا، رقم (١٢٥٤)، ومسلم: كتاب الجنائز، باب في غسل الميت، رقم (٩٣٩)، من حديث أم عطية - رضي الله عنها -.

<<  <   >  >>