للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ اللهُ تَعالى: {آذَنَّاكَ}، يَقولُ المفسِّر: [أَعْلمناكَ الآنَ] فَأفادَ المفسِّر بِقولِه: الآنَ أَنَّ الفعلَ الماضيَ {آذَنَّاكَ} بمَعنَى المُضارعِ، فَهوَ إِذن جُملَةٌ خَبريَّةٌ حاليَّةٌ بِمعنَى الآنَ نُعلِمُكَ، {مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ}. وقيلَ: {آذَنَّاكَ} إِنَّها فِعلٌ ماضٍ عَلى بابِها، فَهي بِمعنَى الخبرِ عن شَيءٍ ماضٍ.

فعِندَنا قَولانِ هَلِ الإِعلامُ هُنا يَومَ القيامةِ كَما قال المفسِّر: أَعْلمناكَ الآنَ، أَمْ هو إِعلامٌ سابقٌ في الدُّنيا؟

إِنْ نَظرْنا إِلَى ظاهرِ اللَّفظِ نُرجِّحُ أَنَّه إِعلامٌ في الدُّنيا يَعني: أَعلمْناكَ في الدُّنيا فَيكونُ عَلى ظاهرِه، لَكنْ يَشكُلُ عَلى هَذا التَّفسيرِ أَنَّ واقعَ حالهِم لا يَدُلُّ عَلَى هَذا؛ لِأنَّهم مُشركونَ فِعلًا فَكيْفَ يُؤذِنونَه أَنَّه ما منهم مِن شَهيدٍ بِذلكَ، أَجابَ القائِلونَ بِهذا أنَّ المَعْنَى {آذَنَّاكَ} بِحَسَبِ الفِطرةِ وَما في قُلوبِنا؛ لِأنَّه ما مِن مَوْلودٍ يُولَدُ إِلَّا عَلَى الفِطرةِ.

{آذَنَّاكَ} صيغَتُها فِعلٌ ماضٍ يَقتضي أَنْ يَكُونَ هَذا الإِعلامُ سابقًا عَن وَقْتِ الخِطابِ، هَذهِ واحدَةٌ. وَالثَّانيةُ: {آذَنَّاكَ} فِعْلٌ ماضٍ لَكنْ يُرادُ به الخَبرُ عَنِ الحالِ الحاضرَةِ، فَهو بِمعنى نَحنُ نُؤذِنُك الآنَ، وهَذا التَّفسيرُ مُخالفٌ لِظاهِرِ اللَّفظِ لَكنَّه مُوافقٌ لِواقِعِ حالهِمْ.

التَّفسيرُ الأوَّلُ مُوافقٌ لِلَّفظِ لكنَّه مُخالفٌ لِظاهِرِ حالهِمْ؛ لِأنَّهم لا يُعْلِمونه بِذلِكَ، إِذ إِنَّهم مُشركون فِعلًا، وأَجابَ هَؤلاءِ الَّذين يَقولون: إِنَّه آذَنَكَ في الدُّنيا أَنَّهمْ أَعْلَموه بِحسَبِ الفِطرةِ الَّتي فُطِرُوا عَليها؛ لِأنَّه ما من مَولودٍ يُولَدُ إِلَّا على الفِطرةِ.

يَقولُ المُفسِّرُ - رَحِمَهُ اللهُ -: [{مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ} أَيْ: شاهدٌ بِأنَّ لَكَ شَريكًا].

<<  <   >  >>